البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٣٦
حالكم إن كان كذا؟ ألستم ظالمين؟ فالأول حالكم، والثاني ألستم ظالمين، وجواب الشرط محذوف أي فقد ظلمتم، ولذلك جاء فعل الشرط ماضيا. وقال الزمخشري :
جواب الشرط محذوف تقديره : إن كان هذا القرآن من عند اللّه وكفرتم به، ألستم ظالمين؟
ويدل على هذا المحذوف قوله : إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. انتهى. وجملة الاستفهام لا تكون جوابا للشرط إلا بالفاء. فإن كانت الأداة الهمزة، تقدمت الفاء نحو : إن تزرنا، أفما نحسن إليك؟ أو غيرها تقدمت الفاء نحو : إن تزرنا، فهل ترى إلا خيرا؟ فقول الزمخشري : ألستم ظالمين؟ بغير فاء، لا يجوز أن يكون جواب الشرط. وقال ابن عطية :
وأرأيتم يحتمل أن تكون منبهة، فهي لفظ موضوع للسؤال لا يقتضي مفعولا. ويحتمل أن تكون الجملة : كان وما عملت فيه، تسد مسد مفعوليها. انتهى. وهذا خلاف ما قرره محققو النحاة في أرأيتم. وقيل : جواب الشرط.
فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ : أي فقد آمن محمد به، أو الشاهد، واستكبرتم أنتم عن الإيمان. وقال الحسن : تقديره فمن أضل منكم. وقيل : فمن المحق منا ومنكم، ومن المبطل؟ وقيل : إنما تهلكون، والضمير في به عائد على ما عاد عليه اسم كان، وهو القرآن. وقال الشعبي : يعود على الرسول، والشاهد عبد للّه بن سلام، قاله الجمهور، وابن عباس، والحسن، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، وابن سيرين والآية مدنية. وعن عبد اللّه بن سلام : نزلت في آيات من كتاب اللّه، نزلت في وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ. وقال مسروق : الشاهد موسى عليه السلام، لا ابن سلام، لأنه أسلم بالمدينة، والسورة مكية، والخطاب في وَكَفَرْتُمْ بِهِ لقريش. وقال الشعبي :
الشاهد من آمن من بني إسرائيل بموسى والتوراة، لأن ابن سلام أسلم قبل وفاة النبي صلى اللّه عليه وسلم بعامين، والسورة مكية. وقال سعد بن أبي وقاص، ومجاهد، وفرقة : الآية مكية، والشاهد عبد اللّه بن سلام، وهي من الآيات التي تضمنت غيبا أبرزه الوجود، وعبد اللّه بن سلام مذكور في الصحيح، وفيه بهت لليهود لعنهم اللّه.
ومن كذب اليهود وجهلهم بالتاريخ، ما يعتقدونه في عبد اللّه بن سلام، أنه صلى اللّه عليه وسلم حين سافر إلى الشام في تجارة لخديجة رضي اللّه عنها، اجتمع بأحبار اليهود وقص عليهم أحلامه، فعلموا أنه صاحب دولة، وعموا، فأصحبوه عبد اللّه بن سلام، فقرأ علوم التوراة وفقهها مدة، زعموا وأفرطوا في كذبهم، إلى أن نسبوا الفصاحة المعجزة التي في القرآن


الصفحة التالية
Icon