البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٤٠
جسارة منه، عفا اللّه عنه. وانتصابهما على الحال من ضمير الفاعل، أي حملته ذات كره، أو على أنه نعت لمصدر محذوف، أي حملا ذاكره.
وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً : أي ومدة حمله وفصاله، وهذا لا يكون إلا بأن يكون أحد الطرفين ناقصا إما بأن تلد المرأة لستة أشهر وترضع عامين، وإما أن تلد لتسعة أشهر على العرف وترضع عامين غير ربع عام. فإن زادت مدة الحمل، نقصت مدة الرضاع. فمدة الرضاع عام وتسعة أشهر، وإكمال العامين لمن أراد أن يتم الرضاعة. وقد كشفت التجربة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، كنص القرآن. وقال جالينوس : كنت شديد الفحص عن مقدار زمن الحمل، فرأيت امرأة ولدت لمائة وأربع وثمانين ليلة. وزعم ابن سينا أنه شاهد ذلك وأما أكثر الحمل فليس في القرآن ما يدل عليه. قال ابن سينا في الشفاء : بلغني من جهة من أثق به كل الثقة، أن امرأة وضعت بعد الرابع من سني الحمل، ولدت ولدا نبتت أسنانه. وحكي عن أرسطاطاليس أنه قال : إن مدة الحمل لكل الحيوان مضبوطة سوى الإنسان، فربما وضعت لسبعة أشهر، ولثمانية، وقل ما يعيش الولد في الثامن، إلا في بلاد معينة مثل مصر. انتهى. وعبر عن الرضاع بالفصال، لما كان الرضاع يلي الفصال ويلابسه، لأنه ينتهي به ويتم، سمي به. وقرأ الجمهور : وفصاله، وهو مصدر فاصل، كأنه من اثنين : فاصل أمه وفاصلته. وقرأ أبو رجاء، والحسن، وقتادة، والجحدري : وفصله، قيل : والفصل والفصال مصدران، كالفطم والفطام. وهنا لطيفة :
ذكر تعالى الأم في ثلاثة مراتب في قوله : بوالديه وحمله وإرضاعه المعبر عنه بالفصال، وذكر الوالد في واحدة في قوله : بوالديه فناسب ما قال الرسول من جعل ثلاثة أرباع البر للأم والربع للأب
في قول الرجل :«يا رسول اللّه، من أبر؟ قال : أمك، قال : ثم من؟ قال :
أمك، قال : ثم من؟ قال : أمك، قال : ثم من؟ قال : أباك».
حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ في الكلام حذف تكون حتى غاية له، تقديره : فعاش بعد ذلك، أو استمرت حياته وتقدم الكلام في بَلَغَ أَشُدَّهُ «١» في سورة يوسف. والظاهر ضعف قول من قال : بلوغ الأشد أربعون، لعطف وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً. والعطف يقتضي التغاير، إلا إن ادعى أن ذلك توكيد لبلوغ الأشد فيمكن والتأسيس أولى من التأكيد وبلوغ الأربعين اكتمال العقل لظهور الفلاح. قيل : ولم يبعث نبي إلا بعد الأربعين. وفي الحديث : أن الشيطان يجر يده على وجه من زاد على الأربعين ولم يتب ويقول : بأبي وجه