البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٦٠
للمفعول، ولو لم يكن معمولا له، ما جازت إضافته إليه. وضرب الرقاب عبارة عن القتل ولما كان القتل للإنسان أكثر ما يكون بضرب رقبته، عبر بذلك عن القتل، ولا يراد خصوصية الرقاب، فإنه لا يكاد تتأتى حالة الحرب أن تضرب الرقاب، وإنما يتأتى القتال في أي موضع كان من الأعضاء. ويقال : ضرب الأمير رقبة فلان، وضرب عنقه وعلاوته وما فيه عيناه، إذا قتله، كما عبر بقوله : فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ «١» عن سائر الأفعال، لما كان أكثر الكسب منسوبا إلى الأيدي. قال الزمخشري : وفي هذه العبارة من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل، لما فيه من تصوير القتل بأشنع صورة، وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن وعلوه وأوجه أعضائه. وقد زاد في هذه في قوله : فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ «٢». انتهى. ولما في ذلك من تشجيع المؤمنين، وأنهم من الكفار بحيث هم متمكنون منهم إذا أمروا بضرب رقابهم. حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ : أي أكثرتم القتل فيهم، وهذه غاية للضرب، فإذا وقع الإثخان وتمكنوا من أخذ من لم يقتل وشدوا وثاق الأسرى، فَإِمَّا مَنًّا بالإطلاق، وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها : أي أثقالها وآلاتها. ومنه قول عمرو بن معدي كرب :
وأعددت للحرب أوزارها رماحا طوالا وخيلا ذكورا
أنشده ابن عطية لعمرو هذا، وأنشده الزمخشري للأعشى. وقيل : الأوزار هنا :
الآثام، لأن الحرب لا بد أن يكون فيها آثام في أحد الجانبين، وهذه الغاية. قال مجاهد :
حتى ينزل عيسى بن مريم. وقال قتادة : حتى يسلم الجميع وقيل : حتى تقتلوهم. وقال ابن عطية : وظاهر اللفظ أنها استعارة يراد بها التزام الأمر أبدا، وذلك أن الحرب بين المؤمنين والكافرين لا يضيع أوزارها، فجاء هذه، كما تقول : أنا أفعل كذا وكذا إلى يوم القيامة، فإنما تريد أنك تفعله دائما. وقال الزمخشري : وسميت، يعني آلات الحرب من السلاح والكراع، أوزارها، لأنه لما لم يكن لها بد من جرها، فكأنها تحملها وتستقل بها فإذا انقضت، فكأنها وضعتها. وقيل : أوزارها : آثامها، يعني حتى يترك أهل الحرب، وهم المشركون، شركهم ومعاصيهم، بأن يسلموا. والظاهر أن ضرب الرقاب، وهو القتل مغيا بشد الوثاق وقت حصول الإثخان، وأن قوله : فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ، أي بعد الشد، وَإِمَّا فِداءً، حالتان للمأسور، إما أن يمن عليه بالإطلاق، كما منّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بإطلاق
(٢) سورة الأنفال : ٨/ ١٢.