البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٦٥
جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ، فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ.
يَتَمَتَّعُونَ : أي ينتفعون بمتاع الدنيا أياما قلائل، وَيَأْكُلُونَ، غافلين غير مفكرين في العاقبة، كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ في مسارحها ومعالفها، غافلة عما هي بصدده من النحر والذبح. والكاف في موضع نصب، إما على الحال من ضمير المصدر، كما يقول سيبويه، أي يأكلونه، أي الأكل مشبها أكل الأنعام. والمعنى : أن أكلهم مجرد من الفكر والنظر، كما يقال للجاهل : يعيش كما تعيش البهيمة، لا يريد التشبيه في مطلق العيش، ولكن في لازمه. وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ : أي موضع إقامة. ثم ضرب تعالى مثلا لمكة والقرى المهلكة على عظمها، كقرية عاد وغيرهم، والمراد أهلها، وأسند الإخراج إليها مجازا. والمعنى : كانوا سبب خروجك، وذلك وقت هجرته عليه السلام إلى المدينة. وكما جاء
في حديث ورقة بن نوفل : يا ليتني فيها جذعا إذ يخرجك قومك، قال : أو مخرجي هم؟
وقال ابن عطية : ونسب الإخراج إلى القرية حملا على اللفظ، وقال : أَهْلَكْناهُمْ، حملا على المعنى. انتهى. وظاهر هذا الكلام لا يصح، لأن الضمير في أهلكناهم ليس عائدا على المضاف إلى القرية التي أسند إليها الإخراج، بل إلى أهل القرية في قوله :
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ، وهو صحيح، لكن ظاهر قوله حملا على اللفظ وحملا على المعنى :
أي أن يكون في مدلول واحد، وكان يبقى كأين مفلتا غير محدث عنه بشيء، إلا أن وقت إهلاكهم كأنه قال : فهم لا ينصرون إذ ذاك. وقال ابن عباس : لما أخرج من مكة إلى الغار، التفت إلى مكة وقال : أنت أحب بلاد اللّه إلى اللّه، وأنت أحب بلاد اللّه إليّ، فلو أن المشركين لم يخرجوني، لم أخرج منك، فأعدى الأعداء من عدا على اللّه في حرمه، أو قتل غير قاتله. وقيل : بدخول الجاهلية قال : فأنزل اللّه تعالى، وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ الآية
وقد تقدّم أول السورة عن ابن عباس خلاف هذا القول.
أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ : استفهام توقيف وتقرير على كل شيء متفق عليه، وهي معادلة بين هذين الفريقين. قال قتادة : والإشارة إلى الرسول وإلى كفار قريش.
انتهى. واللفظ عام لأهل الصنفين. ومعنى على بينة : واضحة، وهو القرآن المعجز وسائر المعجزات. كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ : وهو الشرك والكفر باللّه وعبادة غيره. وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ : أي شهوات أنفسهم ممن لا يكون له بينة، فعبدوا غير خالقهم. والضمير في واتبعوا عائد على معنى من، وقرىء أمن كان بغير فاء. مَثَلُ الْجَنَّةِ : أي صفة الجنة،