البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٧٠
العدو، وفضح أمر المنافقين. والظاهر أن ظاني ذلك هم خلص في إيمانهم، ولذلك قال بعد رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ. وقال الزمخشري : كانوا يدعون الحرص على الجهاد، ويتمنونه بألسنتهم، ويقولون : لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ في معنى الجهاد. فَإِذا أُنْزِلَتْ، وأمروا فيها بما ثمنوا وحرصوا عليه، كاعوا وشق عليهم وسقطوا في أيديهم، كقوله : فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ «١». انتهى وفيه تخويف لما يدل عليه لفظ القرآن ولَوْ لا : بمعنى هلا وعن أبي مالك : لا زائدة، والتقدير : لو نزلت، وهذا ليس بشيء. وقرىء : فإذا نزلت. وقرأ زيد بن علي : سورة محكمة، بنصبهما، ومرفوع نزلت بضم، وسورة نصب على الحال. وقرأ هو وابن عمر : وَذُكِرَ مبنيا للفاعل، أي اللّه. فِيهَا الْقِتالُ ونصب. الجمهور : برفع سورة محكمة على أنه مفعول لم يسم فاعله، وبناء وذكر للمفعول، والقتال رفع به، وإحكامها كونها لا تنسخ. قال قتادة : كل سورة فيها القتال، فهي محكمة من القرآن، لا بخصوصية هذه الآية، وذلك أن القتال نسخ ما كان من المهادنة والصلح، وهو غير منسوخ إلى يوم القيامة. وقيل : محكمة بالحلال والحرام. وقيل : محكمة أريدت مدلولات ألفاظها على الحقيقة دون المتشابه الذي أريد به المجاز، نحو قوله : عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى «٢»، فِي جَنْبِ اللَّهِ «٣»، فَضَرْبَ الرِّقابِ.
رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ : أي تشخص أبصارهم جبنا وهلعا. نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ : أي نظرا كما ينظر من أصابته الغشية من أجل حلول الموت. وقيل : يفعلون ذلك، وهو شخوص البصر إلى الرسول من شدة العداوة. وقيل :
من خشية الفضيحة، فإنهم إن يخالفوا عن القتال افتضحوا وبان نفاقهم. وأولى لهم : تقدم شرحه في المفردات. وقال قتادة : كأنه قال : العقاب أولى لهم. وقيل : وهم المكروه، وأولى وزنها أفعل أو أفلع على الاختلاف، لأن الاستفعال الذي ذكرناه في المفردات.
فعلى قول الجمهور : إنه اسم يكون مبتدأ، والخبر لهم. وقيل : أولى مبتدأ، ولهم من صلته وطاعة خبر وكأن اللام بمعنى الباء، كأنه قيل : فأولى بهم طاعة. ولم يتعرض الزمخشري لإعرابه، وإنما قال : ومعناه الدعاء عليهم بأن يليه المكروه. وعلى قول الأصمعي : أنه فعل يكون فاعله مضمرا يدل عليه المعنى. وأضمر لكثرة الاستعمال كأنه قال : قارب لهم هو،
(٢) سورة طه : ٢٠/ ٥.
(٣) سورة الزمر : ٣٩/ ٥٦.