البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٨٧
قواهم في نصرك ونصرهم. وقال الزمخشري : لما قال : إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ، أكد تأكيدا على طريقة التخييل فقال : يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، يريد أن يد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم التي تعلو يدي المبايعين، هي يد اللّه، واللّه تعالى منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام. وإنما المعنى : تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول صلى اللّه عليه وسلم كعقده مع اللّه تعالى من غير تفاوت بينهما، كقوله تعالى : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ «١»، وفَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ، فلا يعود ضرر نكثه إلا على نفسه. انتهى. وقرأ زيد بن علي : ينكث، بكسر الكاف. وقال جابر بن عبد اللّه : ما نكث أحد منا البيعة إلا جد بن قيس، وكان منافقا، اختبأ تحت إبط بعيره، ولم يسر مع القوم فحرم. وقرأ الجمهور : عَلَيْهُ اللَّهَ : بنصب الهاء. وقرىء : بما عهد ثلاثيا. وقرأ الحميدي : فَسَيُؤْتِيهِ بالياء والحرميان، وابن عامر، وزيد بن علي :
بالنون. أَجْراً عَظِيماً : وهي الجنة، وأو في لغة تهامه، قوله عز وجل :
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً، بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً، وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً، سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا، قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً، لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً.
قال مجاهد وغيره : ودخل كلام بعضهم في بعض. الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ : هم جهينة، ومزينة، وغفار، وأشجع، والديل، وأسلم. استنفرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمرا، ليخرجوا معه حذرا من قريش أن يعرضوا له بحرب، أو يصدوه عن البيت وأحرم هو صلى اللّه عليه وسلم، وساق معه الهدي ليعلم أنه لا يريد حربا، ورأى

(١) سورة النساء : ٤/ ٨٠.


الصفحة التالية
Icon