البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٩
تنزيل، بالنصب على المصدر وباقي السبعة، وأبو بكر، وأبو جعفر، وشيبة، والحسن، والأعرج، والأعمش : بالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي هو تنزيل وأبو حيوة، واليزيدي، والقورصي عن أبي جعفر، وشيبة بالخفض إما على البدل من القرآن، وإما على الوصف بالمصدر. لِتُنْذِرَ : متعلق بتنزيل أو بأرسلنا مضمرة. ما أُنْذِرَ، قال عكرمة : بمعنى الذي، أي الشيء الذي أنذره آباؤهم من العذاب، فما مفعول ثان، كقوله : نَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً
«١». قال ابن عطية : ويحتمل أن تكون ما مصدرية، أي ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ، والآباء على هذا هم الأقدمون من ولد إسماعيل، وكانت النذارة فيهم. وفَهُمْ على هذا التأويل بمعنى فإنهم، دخلت الفاء لقطع الجملة من الجملة الواقعة صلة، فتتعلق بقوله :
إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. لِتُنْذِرَ، كما تقول : أرسلتك إلى فلان لتنذره، فإنه غافل، أو فهو غافل. وقال قتادة : ما نافية، أي أن آباءهم لم ينذروا، فآباؤهم على هذا هم القربيون منهم، وما أنذر في موضع الصفة، أي غير منذر آباؤهم، وفهم غافلون متعلق بالنفي، أي لم ينذروا فهم غافلون، على أن عدم إنذارهم هو سبب غفلتهم. وباعتبار الآباء في القدم والقرب يزول التعارض بين الإنذار ونفيه.
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ : المشهور أن القول لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ «٢». وقيل : لقد سبق في علمه وجوب العذاب. وقيل : حق القول الذي قاله اللّه على لسان الرسل من التوحيد وغيره وبان برهانه فأكثرهم لا يؤمنون بعد ذلك.
والظاهر أن قوله : إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا الآية هو حقيقة لا استعارة. لما أخبر تعالى أنهم لا يؤمنون، أخبر عن شيء من أحوالهم في الآخرة إذا دخلوا النار. قال ابن عطية : وقوله فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ يضعف هذا، لأن بصر الكافر يوم القيامة إنما هو حديد يرى قبح حاله. انتهى، ولا يضعف هذا. ألا ترى إلى قوله : وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً «٣»، وقوله : قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى «٤»؟ وإما أن يكون قوله : فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ «٥»، كناية عن إدراكه ما يؤول إليه، حتى كأنه يبصره. وقال الجمهور : ذلك استعارة. قال ابن عباس، وابن إسحاق : استعارة لحالة الكفرة الذين أرادوا الرسول بسوء، جعل اللّه هذا لهم مثلا في كفه إياهم عنه، ومنعهم من أذاه حين بيتوه. وقال
(٢) سورة هود : ١١/ ١١٩.
(٣) سورة الإسراء : ١٧/ ٩٧.
(٤) سورة طه : ٢٠/ ١٢٥. [.....]
(٥) سورة ق : ٥٠/ ٢٢.