البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٩٠
كلامهم هذا فقال : بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا من أمور الدنيا، وظاهره ليس لهم فكر إلا فيها، كقوله : يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا «١». والإضراب الأول رد أن يكون حكم اللّه أن لا يتبعوهم وإثبات الحسد. والثاني، إضراب عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين إلى ما هو أطم منه، وهو الجهل وقلة الفقه.
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ : أمر تعالى نبيه صلى اللّه عليه وسلم أن يقول لهم ذلك، ودل على أنهم كانوا يظهرون الإسلام، ولو لم يكن الأمر كذلك، لم يكونوا أهلا لذلك الأمر. وأبهم تعالى في قوله : إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ. فقال عكرمة، وابن جبير، وقتادة : هم هوازن ومن حارب الرسول صلى اللّه عليه وسلم في حنين. وقال كعب : الروم الذين خرج إليهم عام تبوك، والذين بعث إليهم في غزوة مؤتة. وقال الزهري، والكلبي : أهل الردة، وبنو حنيفة باليمامة. وعن رافع بن خديج : إنا كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى، ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر، رضي اللّه تعالى عنه، إلى قتال بني حنيفة، فعلمنا أنهم أريدوا بها. وقال ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وعطاء الخراساني، وابن أبي ليلى : هم الفرس.
وقال الحسن : فارس والروم. وقال أبو هريرة : قوم لم يأتوا بعد. وظاهر الآية يرد هذا القول. والذي أقوله : إن هذه الأقوال تمثيلات من قائليها، لا أن المعنى بذلك ما ذكروا، بل أخبر بذلك مبهما دلالة على قوة الإسلام وانتشار دعوته، وكذا وقع حسن إسلام تلك الطوائف، وقاتلوا أهل الردة زمان أبي بكر، وكانوا في فتوح البلاد أيام عمر وأيام غيره من الخلفاء.
والظاهر أن هؤلاء المقاتلين ليسوا ممن تؤخذ منهم الجزية، إذ لم يذكر هنا إلا القتال أو الإسلام. ومذهب أبي حنيفة، رحمه اللّه تعالى ورضي عنه : أن الجزية لا تقبل من مشركي العرب، ولا من المرتدين، وليس إلا الإسلام أو القتل وتقبل ممن عداهم من مشركي العجم وأهل الكتاب والمجوس. ومذهب الشافعي، رحمه اللّه تعالى : لا تقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس، دون مشركي العجم والعرب. وقال الزمخشري : وهذا دليل على إمامة أبي بكر الصديق، رضي اللّه تعالى عنه، فإنهم لم يدعوا إلى حرب في أيام الرسول صلى اللّه عليه وسلم، ولكن بعد وفاته. انتهى. وهذا ليس بصحيح، فقد حضر كثير منهم مع جعفر في مؤتة، وحضروا حرب هوازن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وحضروا معه في سفرة تبوك.
ولا يتم قول الزمخشري إلا على قول من عين أنهم أهل الردة. وقرأ الجمهور : أو