البحر المحيط، ج ٩، ص : ٤٩٢
الخلص الذين سافروا معه. والآية دالة على رضا اللّه تعالى عنهم، ولذا سميت : بيعة الرضوان وكانوا فيما روي ألفا وخمسمائة وعشرين. وقال ابن أبي أوفى : وثلاثمائة.
وأصل هذه البيعة
أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين نزل الحديبية، بعث جواس بن أمية الخزاعي رسولا إلى أهل مكة، وحمله على جمل له يقال له : الثعلب، يعلمهم أنه جاء معتمرا، لا يريد قتالا. فلما أتاهم وكلمهم، عقروا جمله وأرادوا قتله، فمنعته الأحابيش، وبلغ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأراد بعث عمر. فقال : قد علمت فظاظتي، وهم يبغضوني، وليس هناك من بني عدي من يحميني، ولكن أدلك على رجل هو أعز مني وأحب إليهم، عثمان بن عفان. فبعثه، فأخبرهم أنه لم يأت لحرب، وإنما جاء زائرا لهذا البيت، معظما لحرمته. وكان أبان بن سعيد بن العاصي حين لقيه، نزل عن دابته وحمله عليها وأجاره، فقالت له قريش : إن شئت فطف بالبيت، وأما دخولكم علينا فلا سبيل إليه. فقال : ما كنت لأطوف به حتى يطوف به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.
وكانت الحديبية من مكة على عشرة أميال، فصرخ صارخ من العسكر : قتل عثمان، فحمي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنون وقالو : لا نبرح إن كان هذا حتى نلقى القوم. فنادى منادي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : البيعة البيعة، فنزل روح القدس، فبايعوا كلهم إلا الجد بن قيس المنافق.
وقال الشعبي : أول من بايع أبو سنان بن وهب الأسدي، والعامل في إذ رضي. والرضا على هذا بمعنى إظهار النعم عليهم، فهو صفة فعل، لا صفة ذات لتقييده بالزمان وتحت، يحتمل أن يكون معمولا ليبايعونك، أو حالا من المفعول، لأنه صلى اللّه عليه وسلم كان تحتها جالسا في أصلها.
قال عبد اللّه بن المغفل : وكنت قائما على رأسه، وبيدي غصن من الشجرة أذب عنه، فرفعت الغصن عن ظهره. بايعوه على الموت دونه، وعلى أن لا يفروا، فقال لهم :
«أنتم اليوم خير أهل الأرض». وكانت الشجرة سمرة.
قال بكير بن الأشجع : يوم فتح مكة.
قال نافع : كان الناس يأتون تلك الشجرة يصلون عندها، فبلغ عمر، فأمر بقطعها. وكانت هذه البيعة سنة ست من الهجرة. وفي الحديث عنه صلى اللّه عليه وسلم :«لا يدخل النار من شهد بيعة الرضوان».
فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ، قال قتادة، وابن جريج : من الرضا بالبيعة أن لا يفروا. وقال الفراء : من الصدق والوفاء. وقال الطبري، ومنذر بن سعيد : من الإيمان وصحته، والحب في الدين والحرص عليه. وقيل : من الهم والانصراف عن المشركين، والأنفة من ذلك، على نحو ما خاطب به عمر وغيره وهذا قول حسن يترتب معه نزول السكينة والتعريض