البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥١٥
والتزيين هو نفس الفضل. وقال الحوفي : فضلا نصب على الحال. انتهى، ولا يظهر هذا الذي قاله. وقال أبو البقاء : مفعول له، أو مصدر في معنى ما تقدم. وقال الزمخشري :
فضلا مفعول له، أو مصدر من غير فعله. فإن قلت : من أين جاز وقوعه مفعولا له، والرشد فعل القوم، والفضل فعل اللّه تعالى، والشرط أن يتحد الفاعل؟ قلت : لما وقع الرشد عبارة عن التحبيب والتزيين والتكريه مسندة إلى اسمه، تقدست أسماؤه، وصار الرشد كأنه فعله، فجاز أن ينتصب عنه ولا ينتصب عن الراشدون، ولكن عن الفعل المسند إلى اسم اللّه تعالى.
والجملة التي هي أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ اعتراض، أو عن فعل مقدر، كأنه قيل :
جرى ذلك، أو كان ذلك فضلا من اللّه. وأما كونه مصدرا من غير فعله، فأن يوضع موضع رشدا، لأن رشدهم فضل من اللّه لكونهم موفقين فيه، والفضل والنعمة بمعنى الأفضال والأنعام. وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأحوال المؤمنين وما بينهم من التمايز والتفاضل، حَكِيمٌ حين يفضل وينعم بالتوفيق على أفاضلهم. انتهى. أما توجيهه كون فضلا مفعولا من أجله، فهو على طريق الاعتزال. وأما تقديره أو كان ذلك فضلا، فليس من مواضع إضمار كان، ولذلك شرط مذكور في النحو.
وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ.
سبب نزولها ما جرى بين الأوس والخزرج حين أساء الأدب عبد اللّه بن أبيّ بن سلول على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وهو متوجه إلى زيارة سعد بن عبادة في موضعه، وتعصب بعضهم لعبد اللّه، ورد عبد اللّه بن رواحة على ابن أبي، فتجالد الحيان، قيل : بالحديد، وقيل :
بالجريد والنعال والأيدي، فنزلت، فقرأها عليهم، فاصطلحوا. وقال السدّي : وكانت بالمدينة امرأة من الأنصار يقال لها أم بدر، وكان لها زوج من غيرهم، فوقع بينهم شي ء


الصفحة التالية
Icon