البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٢
الإنسان عن غيوب البشر. ولما أحدث فيه النذارة، بشره بمغفرة لما سلف وَأَجْرٍ كَرِيمٍ على ما أسلف من العمل الصالح، وهو الجنة.
ولما ذكر تعالى الرسالة، وهي أحد الأصول الثلاثة التي بها يصير المكلف مؤمنا، ذكر الحشر، وهو أحد الأصول الثلاثة. والثالث هو توحيد، فقال : إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى : أي بعد مماتهم. وأبعد الحسن والضحاك في قوله : إحياؤهم : إخراجهم من الشرك إلى الإيمان. وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا، كناية عن المجازاة : أي ونحصي، فعبر عن إحاطة علمه بأعمالهم بالكتابة التي تضبط بها الأشياء. وقرأ زر ومسروق : ويكتب ما قدموا وآثارهم بالياء مبنيا للمفعول، وما قدموا من الأعمال. وآثارهم : خطاهم إلى المساجد.
وقال : السير الحسنة والسيئة. وقيل : ما قدّموا من السيئات وآثارهم من الأعمال. وقال الزمخشري : ونكتب ما أسلفوا من الأعمال الصالحات غيرها، وما هلكوا عنه من أثر حسن، كعلم علموه، وكتاب صنفوه، أو حبيس أحبسوه، أو بناء بنوه من مسجد أو رباط أو قنطرة أو نحو ذلك، أو سيء كوظيفة وظفها بعض الظلام على المسلمين، وسكة أحدثها فيها تحيرهم، وشيء أحدث فيه صد عن ذكر اللّه من ألحان وملاه، وكذلك كل سنة حسنة، أو سيئة يستن بها، ونحوه قوله عز وجل : يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
«١»، من آثاره. انتهى. وقرأ الجمهور : وَكُلَّ شَيْءٍ بالنصب على الاشتغال. وقرأ أبو السمال : بالرفع على الابتداء.
والإمام المبين : اللوح المحفوظ، قاله مجاهد وقتادة وابن زيد، وقالت فرقة : أراد صحف الأعمال.
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ، إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ، قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ، قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ، وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ، قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ، قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ، وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ، وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ، إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ، إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ، قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ، بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ.