البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٢٠
منها، إلا أنها قصيرة.
فقال لها النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«اغتبتيها، نظرت إلى أسوأ ما فيها فذكرتيه».
وحكى الزهراوي عن جابر، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«الغيبة أشد من الزنا، لأن الزاني يتوب اللّه عليه، والذي يغتاب فلا يتاب عليه حتى يستحل، وعرض المسلم مثل دمه في التحريم».
وفي الحديث المستفيض :«فإن اللّه حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم».
ولا يباح من هذا المعنى إلا ما تدعو الضرورة إليه، من تجريح الشهود والرواة، والخطاب إذا استنصح من يخطب إليه من يعرفهم، والعرب تشبه الغيبة بأكل اللحم، ومنه :
وإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ، قال الزمخشري : تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفظع وجه وأفحشه، وفيه مبالغات شتى، منها : الاستفهام الذي معناه التقرير، ومنها : جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة، ومنها : إسناد الفعل إلى أحدكم والإشعار بأن أحدا من الأحدين لا يحب ذلك، ومنها : أنه لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان حتى جعل الإنسان أخا، ومنها : أنه لم يقتصر على أكل لحم الأخ حتى جعله ميتا. انتهى. وقال الرماني : كراهية هذا اللحم يدعو إليه الطبع، وكراهية الغيبة يدعو إليها العقل، وهو أحق أن يجاب، لأنه بصير عالم، والطبع أعمى جاهل.
انتهى. وقال أبو زيد السهيلي : ضرب المثل لأخذه العرض بأكل اللحم، لأن اللحم ستر على العظم، والشاتم لأخيه كأنه يقشر ويكشف ما عليه من ستر.
وقال تعالى : مَيْتاً، لأن الميت لا يحس، وكذلك الغائب لا يسمع ما يقول فيه المغتاب، ثم هو في التحريم كآكل لحم الميت. انتهى. وروي في الحديث :«ما صام من أكل لحوم الناس».
وقال أبو قلابة الرياشي : سمعت أبا عاصم يقول : ما اغتبت أحدا منذ عرفت ما في الغيبة. وقيل : لعمر بن عبيد : لقد وقع فيك فلان حتى رحمناك، قال : إياه فارحموا. وقال رجل للحسن : بلغني أنك تغتابني، قال : لم يبلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي. وانتصب ميتا على الحال من لحم، وأجاز الزمخشري أن ينتصب عن الأخ، وهو ضعيف، لأن المجرور بالإضافة لا يجيء الحال منه إلا إذا كان له موضع من الإعراب، نحو : أعجبني ركوب الفرس مسرجا، وقيام زيد مسرعا. فالفرس في موضع نصب، وزيد في موضع رفع. وقد أجاز بعض أصحابنا أنه إذا كان الأول جزأ أو كالجزء، جاز انتصاب الحال من الثاني، وقد رددنا عليه ذلك فيما كتبناه في علم النحو.