البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٢٢
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.
قيل : غضب الحارث بن هشام وعتاب بن أسيد حين أذن بلال يوم فتح مكة على الكعبة، فنزلت. وعن ابن عباس، سببها قول ثابت بن قيس لرجل لم يفسح له عند النبي صلى اللّه عليه وسلم : يا ابن فلانة فوبخه النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال له :«إنك لا تفضل أحدا إلا في الدين والتقوى».
ونزل الأمر بالتفسح في ذلك أيضا. مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى : أي من آدم وحواء، أو كل أحد منكم من أب وأم، فكل واحد منكم مساو للآخر في ذلك الوجه، فلا وجه للتفاخر. وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ : وتقدم الكلام على شيء من ذلك في المفردات.
وقيل : الشعوب في العجم والقبائل في العرب، والأسباط في بني إسرائيل. وقيل :
الشعوب : عرب اليمن من قحطان، والقبائل : ربيعة ومضر وسائر عدنان. وقال قتادة، ومجاهد، والضحاك : الشعب : النسب الأبعد، والقبيلة : الأقرب، قال الشاعر :
قبائل من شعوب ليس فيهم كريم قد يعدّ ولا نجيب
وقيل : الشعوب : الموالي، والقبائل : العرب. وقال أبو روق : الشعوب : الذين ينسبون إلى المدائن والقرى، والقبائل : الذين ينسبون إلى آبائهم. انتهى. وواحد الشعوب شعب، بفتح الشين. وشعب : بطن من همدان ينسب إليه عامر الشعبي من سادات التابعين، والنسب إلى الشعوب شعوبية، بفتح الشين، وهم الأمم التي ليست بعرب.
وقيل : هم الذين يفضلون العجم على العرب، وكان أبو عبيدة خارجيا شعوبيا، وله كتاب في مناقب العرب، ولابن غرسبة رسالة فصيحة في تفضيل العجم على العرب، وقد رد عليه ذلك علماء الأندلس برسائل عديدة. وقرأ الجمهور : لِتَعارَفُوا، مضارع تعارف، محذوف التاء والأعمش : بتاءين ومجاهد، وابن كثير في رواية، وابن محيصن : بإدغام التاء في التاء وابن عباس، وأبان عن عاصم : لتعرفوا، مضارع عرف والمعنى : أنكم جعلكم اللّه تعالى ما ذكر، كي يعرف بعضكم بعضا في النسب، فلا ينتمي إلى غير آبائه، لا التفاخر بالآباء والأجداد، ودعوى التفاضل، وهي التقوى. وفي خطبته عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة :«إنما الناس رجلان، مؤمن تقي كريم على اللّه، وفاجر شقي هين


الصفحة التالية
Icon