البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٢٤
الإخبار، ولذلك امتنع لما يقم زيد وقد قام للتكاذب. والظاهر أن قوله : لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ليس له تعلق بما قبله من جهة الإعراب. وقال الزمخشري : فإن قلت : هو بعد قوله : قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا يشبه التكرير من غير استقلال بفائدة متجددة قلت :
ليس كذلك، فإن فائدة قوله : لَمْ تُؤْمِنُوا هو تكذيب دعواهم، وقوله : وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ توقيت لما أمروا به أن يقولوه، كأنه قيل لهم : وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا حين لم يثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم، لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير في قوله :
قُولُوا. انتهى.
والذي يظهر أنهم أمروا أن يقولوا : قُولُوا أَسْلَمْنا غير مقيد بحال، وأن وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ إخبار غير قيد في قولهم. وقال الزمخشري : وما في لما من معنى التوقع دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد. انتهى، ولا أدري من أي وجه يكون ما نفي بلما يقع بعد ولما، إنما تنفي ما كان متصلا بزمان الإخبار، ولا تدل على ما ذكر، وهي جواب لقد فعل، وهب أن قد تدل على توقع الفعل. فإذا نفى ما دل على التوقع، فكيف يتوهم أنه يقع بعد : وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ بالإيمان والأعمال؟ وهذا فتح لباب التوبة. وقرأ الجمهور : لا يَلِتْكُمْ، من لات يليت، وهي لغة الحجاز. والحسن والأعرج وأبو عمرو :
ولا يألتكم، من ألت، وهي لغة غطفان وأسد. ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا، ثم تقتضي التراخي، وانتفاء الريبة يجب أن يقارن الإيمان، فقيل : من ترتيب الكلام لا من ترتيب الزمان، أي ثم أقول لم يرتابوا. وقيل : قد يخلص الإيمان، ثم يعترضه ما يثلم إخلاصه، فنفى ذلك، فحصل التراخي، أو أريد انتفاء الريبة في الأزمان المتراخية المتطاولة، فحاله في ذلك كحاله في الزمان الأول الذي آمن فيه. أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ : أي في قولهم آمنا، حيث طابقت ألسنتهم عقائدهم، وظهرت ثمرة ذلك عليهم بالجهاد بالنفس والمال. وفي سبيل اللّه يشمل جميع الطاعات البدنية والمالية، وليسوا كأعراب بني أسد في قولهم آمنا، وهم كاذبون في ذلك.
قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ، هي منقولة من : علمت به، أي شعرت به، ولذلك تعدّت إلى واحد بنفسها وإلى الآخر بحرف الجر لما ثقلت بالتضعيف، وفي ذلك تجهيل لهم، حيث ظنوا أن ذلك يخفى على اللّه تعالى. ثم ذكر إحاطة علمه بما في السموات والأرض. ويقال : منّ عليهم بيد أسداها إليه، أي أنعم عليه. المنة : النعمة التي لا يطلب لها ثواب، ثم يقال : منّ عليه صنعه، إذا اعتده عليه منة وإنعاما، أي يعتدون عليك أن