البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٢٩
القول لديّ، وهذه كلها أقوال ضعيفة. وقرأ الجمهور : قاف بسكون الفاء، ويفتحها عيسى، ويكسرها الحسن وابن أبي إسحاق وأبو السمال وبالضم : هارون وابن السميفع والحسن أيضا فيما نقل ابن خالويه. والأصل في حروف المعجم، إذا لم تركب مع عامل، أن تكون موقوفة. فمن فتح قاف، عدل إلى الحركات ومن كسر، فعلى أصل التقاء الساكنين ومن ضم، فكما ضم قط ومنذ وحيث.
بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ : إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب، وهو أن ينذرهم بالخوف رجل منهم قد عرفوا صدقه وأمانته ونصحه، فكان المناسب أن لا يعجبوا، وهذا مع اعترافهم بقدرة اللّه تعالى، فأي بعد في أن يبعث من يخوف وينذر بما يكون في المآكل من البعث والجزاء. والضمير في بَلْ عَجِبُوا عائد على الكفار، ويكون قوله :
فَقالَ الْكافِرُونَ تنبيها على القلة الموجبة للعجب، وهو أنهم قد جبلوا على الكفر، فلذلك عجبوا. وقيل : الضمير عائد على الناس، قيل : لأن كل مفطور يعجب من بعثة بشر رسولا من اللّه، لكن من وفق نظر فاهتدى وآمن، ومن خذل ضل وكفر وحاج بذلك العجب والإشارة بقولهم : هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ، الظاهر أنها إلى مجيء منذر من البشر.
وقيل : إلى ما تضمنه الإنذار، وهو الإخبار بالبعث. وقال الزمخشري : وهذا إشارة إلى المرجع. انتهى، وفيه بعد.
وقرأ الجمهور : أَإِذا بالاستفهام، وهم على أصولهم في تحقيق الثانية وتسهيلها والفصل بينهما. وقرأ الأعرج، وشيبة، وأبو جعفر، وابن وثاب، والأعمش، وابن عتبة عن ابن عامر : إذا بهمزة واحدة على صورة الخبر، فجاز أن يكون استفهاما حذفت منه الهمزة، وجاز أن يكونوا عدلوا إلى الخبر وأضمر جواب إذا، أي إذا متنا وكنا ترابا رجعنا. وأجاز صاحب اللوامح أن يكون الجواب رجع بعيد على تقدير حذف الفاء، وقد أجاز بعضهم في جواب الشرط ذلك إذا كان جملة اسمية، وقصره أصحابنا على الشعر في الضرورة. وأما في قراءة الاستفهام، فالظرف منصوب بمضمر، أي : أنبعث إذا متنا؟ وإليه الإشارة بقوله ذلك، أي البعث.
رَجْعٌ بَعِيدٌ، أي مستبعد في الأوهام والفكر. وقال الزمخشري : وإذا منصوب بمضمر معناه : أحين نموت ونبلى نرجع؟ انتهى. وأخذه من قول ابن جني، قال ابن جني :
ويحتمل أن يكون المعنى : أئذا متنا بعد رجعنا، فدل رجع بعيد على هذا الفعل، ويحل محل الجواب لقولهم أئذا. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون الرجع بمعنى المرجوع،