البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٤
سبب ما دخل فيهم من اختلاف الكلمة وافتتان الناس، وهذا على نحو تطير قريش بمحمد صلى اللّه عليه وسلّم، وعلى نحو ما خوطب به موسى عليه السلام. وقال الزمخشري : وذلك أنهم كرهوا دينهم ونفرت منه نفوسهم، وعادة الجهال أن يتمنوا بكل شيء مالوا إليه واشتهوه وقبلته طباعهم، وتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه، فإن أصابتهم نعمة أو بلاء قالوا : ببركة هذا وبشؤم هذا، كما حكى اللّه عن القبط : وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ «١» وعن مشركي مكة : وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ «٢». انتهى. وعن قتادة : إن أصابنا شيء كان من أجلكم. لَنَرْجُمَنَّكُمْ بالحجارة، قاله قتادة. عَذابٌ أَلِيمٌ : هو الحريق.
قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ : أي حظكم وما صار لكم من خير أو شر معكم، أي من أفعالكم، ليس هو من أجلنا بل بكفركم. وقرأ الحسن، وابن هرمز، وعمرو بن عبيد، وزر بن حبيش : طيركم بياء ساكنة بعد الطاء. وقرأ الحسن فيما نقل : أطيركم مصدر أطير الذي أصله تطير، فأدغمت التاء في الطاء، فاجتلبت همزة الوصل في الماضي والمصدر. وقرأ الجمهور : طائركم على وزن فاعل. وقرأ الجمهور : أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بهمزتين، الأولى همزة الاستفهام، والثانية همزة إن الشرطية، فخففها الكوفيون وابن عامر، وسهلها باقي السبعة.
وقرأ زر : بهمزتين مفتوحتين، وهي قراءة أبي جعفر وطلحة، إلا أنها البناء الثانية بين بين.
وقال الشاعر في تحقيقها :
أإن كنت داود بن أحوى مرحلا فلست بداع لابن عمك محرما
والماجشوني، وهو أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن عبد اللّه بن أبي سلمة المدني :
بهمزة واحدة مفتوحة والحسن : بهاء مكسورة وأبو عمرو في رواية، وزر أيضا : بمدة قبل الهمزة المفتوحة، استثقل اجتماعهما ففضل بينهما بألف. وقرأ أبو جعفر أيضا، والحسن أيضا، وقتادة، وعيسى الهمداني، والأعمش : أين بهمزة مفتوحة وياء ساكنة، وفتح النون ظرف مكان. وروي هذا عن عيسى الثقفي أيضا. فالقراءة الأولى على معنى : إن ذكرتم تتطيرون، بجعل المحذوف مصب الاستفهام، على مذهب سيبويه، وبجعله للشرط، على مذهب يونس فإن قدرته مضارعا كان مجزوما. والقراءة الثانية على معنى : ألان ذكرتم تطيرتم، فإن مفعول من أجله، وكذلك الهمزة الواحدة المفتوحة والتي بمدة قبل الهمزة المفتوحة وقراءة الهمزة المكسورة وحدها، فحرف شرط بمعنى الإخبار، أي إن ذكرتم
(٢) سورة النساء : ٤/ ٧٨.