البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٥٣
وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ، قال الضحاك ومجاهد وابن جبير : المطر والثلج، لأنه سبب الأقوات، وكل عين دائمة من الثلج. وقال مجاهد أيضا وواصل الأحدب : أراد القضاء والقدر، أي الرزق عند اللّه يأتي به كيف شاء، وَما تُوعَدُونَ : الجنة، أو هي النار، أو أمر الساعة، أو من خير وشر، أو من ثواب وعقاب، أقوال المراد بها التمثيل لا التعيين.
وقرأ ابن محيصن : أرزاقكم على الجمع، والضمير في إنه عائد على القرآن، أو إلى الدين الذي في قوله : وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ، أو إلى اليوم المذكور في قوله : أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ، أو إلى الرزق، أو إلى اللّه، أو إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، أقوال منقولة. والذي يظهر أنه عائد على الإخبار السابق من اللّه تعالى فيما تقدم في هذه السورة من صدق الموعود ووقوع الجزاء، وكونهم في قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ، وقُتِلَ الْخَرَّاصُونَ، وكينونة المتقين في الجنة على ما وصف، وذكر أوصافهم وما ذكر بعد ذلك، ولذلك شبه في الحقيقة بما يصدر من نطق الإنسان بجامع ما اشتركا فيه من الكلام. وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر، والحسن، وابن أبي إسحاق، والأعمش : بخلاف عن ثلاثتهم. مثل بالرفع : صفة لقوله : لَحَقٌّ وباقي السبعة، والجمهور : بالنصب، وقيل : هي فتحة بناء، وهو نعت كحاله في قراءة من رفع. ولما أضيف إلى غير متمكن بنى، وما على هذا الإعراب زائدة للتوكيد، والإضافة هي إلى أنكم تنطقون. وقال المازني : بنى مثل، لأنه ركب مع ما، فصار شيئا واحدا، ومثله : ويحما وهيما وابنما، قال حميد بن ثور :
ألا هيما مما لقيت وهيما وويحا لمن لم يلق منهن ويحما
قال : فلو لا البناء لكان منونا، وقال الشاعر :
فأكرم بنا أو أما وأكرم بنا ابنما انتهى هذا التخريج. وابنما ليس ابنا بنى مع ما، بل هذا من باب زيادة الميم فيه، واتباع ما في الآخر، إذ جعل في الميم الإعراب. تقول : هذا ابنم، ورأيت ابنما، ومررت بابنم، وليست ما في الثلاث في ابنما مركبة مع ما، كما قال : بل الفتحة في ابنما حركة إعراب، وهو منصوب على التمييز، وأنشد النحويون في بناء الاسم مع الحرف قول الراجز :
أثور ما أصيدكم أو ثورين أم تيكم الجماء ذات القرنين
وقيل : هو نعت لمصدر محذوف تقديره : إنه لحق حقا مثل ما أنكم، فحركته حركة إعراب. وقيل : انتصب على أنه حال من الضمير المستكن في لَحَقٌّ. وقيل : حال من