البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٥٧
فألحقنا بالهاديات ودونه حواجرها في صرة لم تزيل
وقال قتادة وعكرمة : الرنة. قيل : قالت أوّه بصياح وتعجب. وقال ابن بحر :
الجماعة، أي من النسوة تبادروا نظرا إلى الملائكة. وقال الجوهري : الصرة : الصيحة والجماعة والشدة. فَصَكَّتْ وَجْهَها : أي لطمته، قاله ابن عباس، وكذلك كما يفعله من يرد عليه أمر يستهوله ويتعجب منه، وهو فعل النساء إذا تعجبن من شيء. وقال السدي وسفيان : ضربت بكفها جبهتها، وهذا مستعمل في الناس حتى الآن. وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ : أي إنا قد اجتمع فيها أنها عجوز، وذلك مانع من الولادة، وأنها عقيم، وهي التي لم تلد قط، فكيف ألد؟ تعجبت من ذلك. قالُوا كَذلِكَ : أي مثل القول الذي أخبرناك به، قالَ رَبُّكِ : وهو القادر على إيجاد ما يستبعد. وروي أن جبريل عليه السلام قال لها : انظري إلى سقف بيتك، فنظرت، فإذا جذوعه مورقة مثمرة.
إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ : أي ذو الحكمة. الْعَلِيمُ بالمصالح.
ولما علم إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنهم ملائكة، وأنهم لا ينزلون إلا بإذن اللّه تعالى رسلا، قال فَما خَطْبُكُمْ إلى : قَوْمٍ مُجْرِمِينَ : أي ذوي جرائم، وهي كبار المعاصي من كفر وغيره. لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ : أي لنهلكهم بها، حِجارَةً مِنْ طِينٍ : وهو السجيل، طين يطبخ كما طبخ الآجر حتى يصير في صلابة كالحجارة. مُسَوَّمَةً :
معلمة، على كل واحد منها اسم صاحبه. وقيل : معلمة أنها من حجارة العذاب. وقيل :
معلمة أنها ليست من حجارة الدنيا، لِلْمُسْرِفِينَ : وهم المجاوزون الحد في الكفر.
فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها : في القرية التي حل العذاب بأهلها. غَيْرَ بَيْتٍ : هو بيت لوط عليه السلام، وهو لوط وابنتاه فقط، وقيل : ثلاثة عشر نفسا. وقال الرماني : الآية تدل على أن الإيمان هو الإسلام، وكذا قال الزمخشري، وهما معتزليان.
وَتَرَكْنا فِيها : أي في القرية، آيَةً : علامة. قال ابن جريج : حجرا كبيرا جدّا منضودا. وقيل : ماء أسود منتن. ويجوز أن يكون فيها عائدا على الإهلاكة التي أهلكوها، فإنها من أعاجيب الإهلاك، بجعل أعالي القرية أسافل وإمطار الحجارة. والظاهر أن قوله :
وَفِي مُوسى معطوف على وَتَرَكْنا فِيها : أي في قصة موسى. وقال الزمخشري وابن عطية : وَفِي مُوسى يكون عطفا على وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ «١».