البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٦٢
وإن لم يصدر منه الذي خلق له، كما تقول : القلم مبري لأن يكتب به، وهو قد يكتب به وقد لا يكتب به، وقال الزمخشري : إلا لأجل العبادة، ولم أرد من جميعهم إلا إياها. فإن قلت : لو كان مريدا للعبادة منهم، لكانوا كلهم عبادا. قلت : إنما أراد منهم أن يعبدوه مختارين للعبادة لا مضطرين إليها، لأنه خلقهم ممكنين، فاختار بعضهم ترك العبادة مع كونه مريدا لها، ولو أرادها على القسر والإلجاء لوجدت من جميعهم. انتهى، وهو على طريقة الاعتزال. وقال مجاهد : إِلَّا لِيَعْبُدُونِ : ليعرفون. وقال ابن زيد : لأحملهم في العبادة على الشقاوة والسعادة. وقال الربيع بن أنس : إلا للعبادة، قال : وهو ظاهر اللفظ.
وقيل : إلا ليذلوا لقضائي. وقال الكلبي : إلا ليوحدون، فالمؤمن يوحده في الشدة والرخاء، والكافر في الشدة. وقال عكرمة : ليطيعون، فأثيب العابد، وأعاقب الجاحد. وقال مجاهد أيضا : إلا للأمر والنهي.
ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ : أي أن يرزقوا أنفسهم ولا غيرهم. وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ : أي أن يطعموا خلقي، فهو على حذف مضاف، فالإضافة إلى الضمير تجوز، قاله ابن عباس. وقيل : أَنْ يُطْعِمُونِ : أن ينفعون، فذكر جزءا من المنافع وجعله دالا على الجميع. وقال الزمخشري : يريد إن شأني مع عبادي ليس كشأن السادة مع عبيدهم، لأن ملاك العبيد إنما يملكونهم ليستعينوا في تحصيل معايشهم وأرزاقهم بهم فإما مجهز في تجارة يبغي ربحا، أو مرتب في فلاحة ليقتل أرضا، أو مسلم في حرفة لينتفع بأجرته، أو محتطب، أو محتش، أو مستق، أو طابخ، أو خابز، أو ما أشبه ذلك من الأعمال والمهن التي تصرف في أسباب المعيشة وأبواب الرزق. فأما مالك ملاك العبيد فقال لهم : اشتغلوا بما يسعدكم في أنفسكم، ولا أريد أن أصرفكم في تحصيل رزقي ولا رزقكم، وأنا غني عنكم وعن مرافقكم، ومتفضل عليكم برزقكم وبما يصلحكم ويعيشكم من عندي، فما هو إلا أنا وحدي. انتهى، وهو تكثير وخطابة. وقرأ ابن محيصن : الرَّزَّاقُ، كما قرأ :
وفي السماء رازقكم : اسم فاعل، وهي قراءة حميد. وقرأ الأعمش، وابن وثاب :
الْمَتِينُ بالجر، صفة للقوة على معنى الاقتدار، قاله الزمخشري، أو كأنه قال : ذو الأيد، وأجاز أبو الفتح أن تكون صفة لذو وخفض على الجوار، كقولهم : هذا جحر ضب خرب.
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا : هم أهل مكة وغيرهم من الكفار الذين كذبوا الرسول صلى اللّه عليه وسلم، ذنوبا : أي حظا ونصيبا، مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ : من الأمم السابقة التي كذبت الرسل