البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٧
لكونها مكتوبة بخلاف المحذوفة خطأ ولفظا، فلا ترى بالبصر. إِنِّي إِذاً، إن لم أعبد الذي فطرني واتخذت آلهة من دونه، في حيرة واضحة لكل ذي عقل صحيح.
ثم صرح بإيمانه وصدع بالحق، فقال مخاطبا لقومه : إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ : أي الذي كفرتم به، فَاسْمَعُونِ : أي اسمعوا قولي وأطيعون، فقد نبهتكم على الحق، وأن العبادة لا تكون إلا لمن منه نشأتكم وإليه مرجعكم. والظاهر أن الخطاب بالكاف والميم وبالواو، وهو لقومه، والأمر على جهة المبالغة والتنبيه، قاله ابن عباس وكعب ووهب.
وقيل : خاطب بقوله فَاسْمَعُونِ الرسل، على جهة الاستشهاد بهم والاستحفاظ للأمر عندهم. وقيل : الخطاب في بِرَبِّكُمْ، وفي فَاسْمَعُونِ للرسل. لما نصح قومه أخذوا يرجمونه، فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل فقال ذلك، أي اسمعوا إيماني واشهدوا لي به.
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ : ظاهره أنه أمر حقيقي. وقيل : معناه وجبت لك الجنة، فهو خبر بأنه قد استحق دخولها، ولا يكون إلا بعد البعث، ولم يأت في القرآن أنه قتل. فقال الحسن : لما أراد قومه قتله، رفعه اللّه إلى السماء، فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء السموات وهلاكه الجنة، فإذا أعاد اللّه الجنة دخلها. وقيل : لما قال ذلك، رفعوه إلى الملك، فطول معهم الكلام ليشغلهم عن قتل الرسل إلى أن صرح لهم بإيمانه، فوثبوا عليه فقتلوه بوطء الأرجل حتى خرج قلبه من دبره وألقي في بئر، وهي الرس. وقال السدي : رموه بالحجارة وهو يقول :«اللهم اهد قومي»، حتى مات.
وقال الكلبي : رموه في حفرة، وردوا التراب عليه فمات.
وعن الحسن : حرقوه حرقا، وعلقوه في باب المدينة، وقبره في سور أنطاكية. وقيل : نشروه بالمناشير حتى خرج من بين رجليه. وعن قتادة : أدخله اللّه الجنة، وهو فيها حي يرزق. أراد قوله تعالى : بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ «١» :
وفي النسخة التي طالعنا من تفسير ابن عطية ما نصه. وقرأ الجمهور : فاسمعون بفتح النون. قال أبو حاتم : هذا خطأ لا يجوز لأنه أمر، فإما حذف النون، وإما كسرها على جهة البناء. انتهى، يعني ياء المتكلم والنون للوقاية. وقوله : وقرأ الجمهور وهم فاحش، ولا يكون، واللّه أعلم، إلا من الناسخ بل القراء مجمعون فيما أعلم على كسر النون، سبعتهم وشواذهم، إلا ما روي عن عصمة عن عاصم من فتح النون، ذكره في الكامل مؤلف أبي القاسم الهذلي، ولعل ذلك وهم من عصمة. وقال ابن عطية : هنا محذوف تواترت به