البحر المحيط، ج ٩، ص : ٥٧٥
والحكم إن كانوا صادقين في أنه تقوله، فليقولوا هم مثله، إذ هو واحد منهم، فإن كانوا صادقين فليكونوا مثله في التقوّل. فقرأ الجحدري وأبو السمّال : بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ، على الإضافة : أي بحديث رجل مثل الرسول في كونه أميا لم يصحب أهل العلم ولا رحل عن بلده، أو مثله في كونه واحدا منهم، فلا يجوز أن يكون مثله في العرب فصاحة، فليأت بمثل ما أتى به، ولن يقدر على ذلك أبدا.
أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ : أي من غير شيء حي كالجماد، فهم لا يؤمرون ولا ينهون، كما هي الجمادات عليه، قاله الطبري. وقيل : مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ : أي من غير علة ولا لغاية عقاب وثواب، فهم لذلك لا يسمعون ولا يتشرعون، وهذا كما تقول : فعلت كذا وكذا من غير علة : أي لغير علة، فمن للسبب، وفي القول الأول لابتداء الغاية. وقال الزمخشري : أَمْ خُلِقُوا : أم أحدثوا؟ وقدروا التقدير الذي عليه فطرتهم مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ : من غير مقدر، أم هم الذين خلقوا أنفسهم حيث لا يعبدون الخالق؟ بَلْ لا يُوقِنُونَ : أي إذا سئلوا : من خلقكم وخلق السموات والأرض؟ قالوا : اللّه، وهم شاكون فيما يقولون لا يوقنون. أم خلقوا من غير رب ولا خالق؟ أي أم أحدثوا وبرزوا للوجود من غير إله يبرزهم وينشئهم؟ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ لأنفسهم، فلا يعبدون اللّه، ولا يأتمرون بأوامره، ولا ينتهون عن مناهيه. والقسمان باطلان، وهم يعترفون بذلك، فدل على بطلانهم. وقال ابن عطية : ثم وقفهم على جهة التوبيخ على أنفسهم، أهم الذين خلقوا الأشياء فهم لذلك يتكبرون؟ ثم خصص من تلك الأشياء السموات والأرض لعظمها وشرفها في المخلوقات، ثم حكم عليهم بأنهم لا يوقنون ولا ينظرون نظرا يؤديهم إلى اليقين.
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ، قال الزمخشري : خزائن الرزق، حتى يرزقوا النبوة من شاءوا، أو : أعندهم خزائن علمه حتى يختاروا لها من اختياره حكمة ومصلحة؟ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ : الأرباب الغالبون حتى يدبرون أمر الربوبية ويبنوا الأمور على إرادتهم. وقال ابن عطية : أم عندهم الاستغناء عن اللّه تعالى في جميع الأمور، لأن المال والصحة والقوة وغير ذلك من الأشياء كلها من خزائن اللّه تعالى. وقال الزهراوي : وقيل يريد بالخزائن :
العلم، وهذا قول حسن إذا تؤمل وبسط. وقال الرماني : خزائنه تعالى : مقدوراته. انتهى.
والمسيطر، قال ابن عباس : المسلط القاهر. وقرأ الجمهور : المصيطرون بالصاد وهشام وقنبل وحفص : بخلاف عنه بالسين، وهو الأصل ومن أبدلها صادا، فلأجل حرف الاستعلاء وهو الطاء، وأشم خلف عن حمزة، وخلاد عنه بخلاف عنه الزاي.