البحر المحيط، ج ٩، ص : ٦٣
أعجبني ملاحة الجارية، وسرق ثوب زيد، وتقدم لنا الكلام على إعراب مثل هذه الجملة في قوله : أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ «١»، في سورة الأنعام. والذي تقتضيه صناعة العربية أن أنهم معمول لمحذوف، ودل عليه المعنى، وتقديره : قضينا أو حكمنا أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ. وقرأ ابن عباس والحسن : إنهم بكسر الهمزة على الاستئناف، وقطع الجملة عن ما قبلها من جهة الإعراب، ودل ذلك على أن قراءة الفتح مقطوعة عن ما قبلها من جهة الإعراب لتتفق القراءتان ولا تختلفا. والضمير في أنهم عائد على معنى كم، وهم القرون، وإليهم عائد على من أسند إليه يروا، وهم قريش فالمعنى : أنهم لا يرجعون إلى من في الدنيا. وقيل : الضمير في أنهم عائد على من أسند إليه يروا، وفي إليهم عائد على المهلكين، والمعنى : أن الباقين لا يرجعون إلى المهلكين بنسب ولا ولادة، أي أهلكناهم وقطعنا نسلهم، والإهلاك مع قطع النسل أتم وأعم. وقرأ عبد اللّه :
ألم يروا من أهلكنا، وأنهم على هذا بدل اشتمال وفي قولهم : أنهم لا يرجعون، رد على القائلين بالرجعة. وقيل لا بن عباس : إن قوما يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة، فقال : ليس القوم نحن إذا نكحنا نساءه وقسمنا ميراثه.
وقرأ عاصم، وحمزة، وابن عامر : بتثقيل لما وباقي السبعة : بتخفيفها. فمن ثقلها كانت عنده بمعنى إلا، وإن نافية، أي ما كل، أي كلهم إلا جميع لدينا، محضرون :
أي محشورون، قاله قتادة. وقال ابن سلام : معذبون وقيل : التقدير لمن ما وليس بشيء، ومن خفف لما جعل إن المخففة من الثقيلة، وما زائدة، أي إن كل لجميع، وهذا على مذهب البصريين. وأما الكوفيون، فإن عندهم نافية، واللام بمعنى إلا، وما زائدة، ولما المشددة بمعنى إلا ثابت في لسان العرب بنقل الثقات، فلا يلتفت إلى زعم الكسائي أنه لا يعرف ذلك. وقال أبو عبد اللّه الرازي : في كون لما بمعنى إلا معنى مناسب، وهو أن لما كأنها حرفا نفي جميعا. وهما لم وما، فتأكد النفي وإلا كأنها حرفا نفي إن ولا، فاستعمل أحدهما مكان الآخر. انتهى، وهذا أخذه من قول الفراء في إلا في الاستثناء أنها مركبة من إن ولا، إلا أن الفراء جعل إن المخففة من الثقيلة وما زائدة، أي إن كل لجميع، وهذا على مذهب البصريين. وأما الكوفيون، فإن عندهم نافية، واللام بمعنى إلا، وما زائدة، ولما المشددة بمعنى إلا ثابت حرف نفي، وهو قول مردود عند النحاة ركيك، وما تركب منه وزاد تحريفا أرك منه، وكل بمعنى الإحاطة، وجميع فعيل بمعنى مفعول، ويدل على الاجتماع،