البحر المحيط، ج ٩، ص : ٧١
الفلك. وقيل : يعود على معلوم غير مذكور وتقديره : من مثل ما ذكرنا من المخلوقات في قوله : سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ «١»، كما قالوا : في قوله مِنْ ثَمَرِهِ، أي من ثمر ما ذكرنا. وقرأ الحسن : نغرقهم مشددا والجمهور : مخففا والصريخ : فعيل بمعنى صارخ : أي مستغيث، وبمعنى مصرخ : أي مغيث، وهذا معناه هنا، أي فلا مغيث لهم ولا معين. وقال الزمخشري : فَلا صَرِيخَ لَهُمْ : أي فلا إغاثة لهم. انتهى. كأنه جعله مصدرا من أفعل، ويحتاج إلى نقل أن صريخا يكون مصدرا بمعنى صراخ. والظاهر أن قوله : فَلا صَرِيخَ لَهُمْ : أي لا مغيث لهؤلاء الذين شاء اللّه إغراقهم، وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ : أي ينجون من الموت بالغرق. نفى أولا الصريخ، وهو خاص ثم نفى ثانيا إنقاذهم بصريخ أو غيره. وقال ابن عطية : وقوله فَلا صَرِيخَ لَهُمْ استئناف إخبار عن المسافرين في البحر، ناجين كانوا أو مغرقين، فهم في هذه الحال لا نجاة لهم إلا برحمة اللّه. وليس قوله : فَلا صَرِيخَ لَهُمْ مربوطا بالمغرقين، وقد يصح ربطه به، والأول أحسن فتأمله. انتهى، وليس بحسن ولا أحسن. والفاء في فَلا صَرِيخَ لَهُمْ تعلق الجملة بما قبلها تعليقا واضحا، وترتبط به ربطا لائحا. والخلاص من العذاب بما يدفعه من أصله، فنفى بقوله : فَلا صَرِيخَ لَهُمْ، وما يرفعه بعد وقوعه، فنفى بقوله :
وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ. وانتصب رَحْمَةً على الاستثناء المفرغ للمفعول من أجله، أي لرحمة منا. وقال الكسائي، والزجاج : إِلى حِينٍ : أي إلى حين الموت، قاله قتادة.
وقال الزمخشري : إما لرحمة منا، وليتمتع بالحياة إلى حين : أي إلى أجل يموتون فيه لا بد لهم منه بعد النجاة من موت الغرق. انتهى. وإنما قال : لا بد لهم من موت الغرق، لأنه تعالى قال وَإِنْ نَشَأْ : أي إغراقهم، نُغْرِقْهُمْ : فمن شاء إغراقه لا بد أن يموت بالغرق. والظاهر أن رَحْمَةً، وَمَتاعاً إِلى حِينٍ يكون للذين ينقذون، فلا يفيد الدوام، بل ينقذه اللّه رحمة له ويمتعه إلى حين ثم يميته. وقيل : فيه تقسيم، إلا رحمة لمن علم أنه يؤمن فينقذه اللّه رحمة، ومن علم أنه لا يؤمن يمنعه زمانا ويزداد إثما.
وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ، وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ، فَلا

(١) سورة يس : ٣٦/ ٣٦.


الصفحة التالية
Icon