البحر المحيط، ج ٩، ص : ٧٥
الْمُجْرِمُونَ، أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ، وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ، هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ، اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ، الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ، وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ، وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ، وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ، وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ، لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ.
لما ذكر تعالى أهوال يوم القيامة، أعقب ذلك بحال السعداء والأشقياء. والظاهر أنه إخبار لنا بما يكونون فيه إذا صاروا إلى ما أعد لهم من الثواب والعقاب. وقيل : هو حكاية ما يقال في ذلك اليوم، وفي مثل هذه الحكاية زيادة تصوير للموعود له في النفوس، وترغيب إلى الحرص عليه وفيما يثمره والظاهر أن الشغل هو النعيم الذي قد شغلهم عن كل ما يخطر بالبال. وقال قريبا منه مجاهد، وبعضهم خص هذا الشغل بافتضاض الأبكار، قاله ابن عباس وعنه أيضا : سماع الأوتار. وعن الحسن : شغلوا عن ما فيه أهل النار.
وعن الكلبي : عن أهاليهم من أهل النار، لا يذكرونهم لئلا يتنغصوا. وعن ابن كيسان :
الشغل : التزاور. وقيل : ضيافة اللّه، وأفرد الشغل ملحوظا فيه النعيم، وهو واحد من حيث هو نعيم. وقرأ الحرميان، وأبو عمرو : بضم الشين وسكون الغين وباقي السبعة بضمها ومجاهد، وأبو السمال، وابن هبيرة فيما نقل ابن خالويه عنه : بفتحتين ويزيد النحوي، وابن هبيرة، فيما نقل أبو الفضل الرازي : بفتح الشين وإسكان الغين. وقرأ الجمهور :
فاكِهُونَ، بالألف والحسن، وأبو جعفر، وقتادة، وأبو حيوة، ومجاهد، وشيبة، وأبو رجاء، ويحيى بن صبيح، ونافع في رواية : بغير ألف وطلحة، والأعمش : فاكهين، بالألف وبالياء نصبا على الحال، وفي شغل هو الخبر. فبالألف أصحاب فاكهة، كما يقال لابن وتامر وشاحم ولاحم، وبغير ألف معناه : فرحون طربون، مأخوذ من الفكاهة وهي المزحة، وقرىء : فكهين، بغير ألف وبالياء. وقرىء : فكهون، بضم الكاف. يقال : رجل فكه وفكه، نحو : يدس ويدس. ويجوز في هم أن يكون مبتدأ، وخبره في ضلال، ومتكئون خبر ثان، أو خبره متكئون، وفي ظلال متعلق به، أو يكون تأكيدا للضمير المستكن في فاكهون، وفي ظلال حال، ومتكئون خبر ثان لأن، أو يكون تأكيدا للضمير المستكن في شغل، المنتقل إليه من العامل فيه.