البحر المحيط، ج ٩، ص : ٨٥
والأعراب توري النار من الشجر الأخضر، وأكثرها من المرخ والعفار. وفي أمثالهم : في كل شيء نار، واستمجد المرخ والعفار. يقطع الرجل منهما غصنين مثل السواكين، وهما أخضران يقطر منهما الماء، فيستحق المرخ وهو ذكر، والعفار وهي أنثى، ينقدح النار بإذن اللّه عز وجل. وعن ابن عباس : ليس شجر إلا وفيه نار إلا العنا. وقرأ الجمهور :
الأخضر وقرىء : الخضراء وأهل الحجاز يؤنثون الجنس المميز واحده بالتاء وأهل نجد يذكرون ألفاظا، واستثنيت في كتب النحو.
ثم ذكر ما هو أبدع وأغرب من خلق الإنسان من نطفة، ومن إعادة الموتى، وهو إنشاء هذه المخلوقات العظيمة الغريبة من صرف العدم إلى الوجود، فقال : أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ؟ قرأ الجمهور : بقادر، بباء الجر داخلة على اسم الفاعل. وقرأ الجحدري، وابن أبي إسحاق، والأعرج، وسلام، ويعقوب :
يقدر، فعلا مضارعا، أي من قدر على خلق السموات والأرض من عظم شأنهما، كان على خلق الأناس قادرا، والضمير في مثلهم عائد على الناس، قاله الرماني. وقال جماعة من المفسرين : عائد على السموات والأرض، وعاد الضمير عليهما كضمير من يعقل، من حيث كانت متضمنة من يعقل من الملائكة والثقلين. وقال الزمخشري : مِثْلَهُمْ يحتمل معنيين : أن يخلق مثلهم في الصغر والقماءة بالإضافة إلى السموات والأرض، أو أن يعيدهم، لأن المصادر مثل للمبتدأ وليس به. انتهى. ويقول : إن المعاد هو عين المبتدأ، ولو كان مثله لم يسم ذلك إعادة، بل يكون إنشاء مستأنفا. وقرأ الجمهور : الْخَلَّاقُ بنسبة المبالغة لكثرة مخلوقاته. وقرأ الحسن، والجحدري، ومالك بن دينار، وزيد بن علي : الخالق، اسم فاعل.
إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ : تقدّم شرح مثل هذه الجملة، والخلاف في فيكون من حيث القراءة نصبا ورفعا. فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ : تنزيه عام له تعالى من جميع النقائص. وقرأ الجمهور : ملكوت وطلحة، والأعمش : ملكة على وزن شجرة، ومعناه : ضبط كل شيء والقدرة عليه. وقرىء :
مملكة، على وزن مفعلة وقرىء : ملك، والمعنى أنه متصرف فيه على ما أراد وقضى.
والجمهور : تُرْجَعُونَ، مبنيا للمفعول، وزيد بن علي : مبنيا للفاعل.