البحر المحيط، ج ٩، ص : ٩٢
عن ذلك، إلا من أمهل حتى خطف الخطفة واسترق استراقة، فعندها تعاجله الملائكة باتباع الشهاب الثاقب. ولا يجوز أن يكون لا يسمعون صفة ولا استئنافا جوابا لسائل سأل لم يحفظ من الشياطين، لأن الوصف كونهم لا يسمعون، أو الجواب لا معنى للحفظ من الشياطين على تقديرهما، إذ يصير المعنى مع الوصف : وحفظا من كل شيطان مارد غير سامع أو مسمع، وكذلك لا يستقيم مع كونه جوابا. وقول من قال : إن الأصل لأن لا يسمعوا، فحذفت اللام وإن، فارتفع الفعل، قول متعسف يصان كلام اللّه عنه. وقرأ الجمهور : لا يسمعون : نفي سماعهم، وإن كانوا يسمعون بقوله : إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ «١»، وعداه بإلى لتضمنه معنى الإصغاء. وقرأ ابن عباس بخلاف عنه وابن وثاب، وعبد اللّه بن مسلم، وطلحة، والأعمش، وحمزة، والكسائي، وحفص : بشد السين والميم بمعنى لا يتسمعون، أدغمت التاء في السين، وتقتضي نفي التسمع. وظاهر الأحاديث أنهم يتسمعون حتى الآن، لكنهم لا يسمعون وإن سمع أحد منهم شيئا لم يفلت حرسا وشهبا من وقت بعثة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وكان الرجم في الجاهلية أحق، فأما كانت ثمرة التسمع هو السمع، وقد انتفى السمع بنفي التسمع في هذه القراءة لانتفاء ثمرته، وهو السمع. والْمَلَإِ الْأَعْلى يعم الملائكة، والإنس والجن هم الملأ الأسفل لأنهم سكان الأرض. وقال ابن عباس : هم أشراف الملائكة، وعنه كتابهم.
وَيُقْذَفُونَ : يرمون ويرجمون، مِنْ كُلِّ جانِبٍ : أي من كل جهة يصعدون إلى السماء منها، والمرجوم بها هي التي يراها الناس تنقض، وليست بالكواكب الجارية في السماء، لأن تلك لا ترى حركتها، وهذه الراجمة ترى حركتها لقربها منا، قاله مكي والنقاش. وقرأ محبوب عن ابن عمرو : ويقذفون مبنيا للفاعل، ودحورا مصدر في موضع الحال. قال مجاهد : مطرودين، أو مفعول من أجله، أي ويقذفون للطرد، أو مصدر ليقذفون، لأنه متضمن معنى الطرد، أي ويدحرون من كل جانب دحورا، ويقذفون من كل جانب قذفا. فإما أن يكون التجوز في ويقذفون، وإما في دحورا. وقرأ عليّ، والسلمي، وابن أبي عبلة، والطبراني عن رجاله عن أبي جعفر : دحورا، بنصب الدال
، أي قذفا دحورا، بنصب الدال. ويجوز أن يكون مصدرا، كالقبول والولوغ، إلا أن هذه ألفاظ ذكر أنها محصورة. والواصب : الدائم، قاله السدّي وأبو صالح، وتقدّم في سورة النحل.