البحر المحيط، ج ٩، ص : ٩٦
فيما بعدها ما قبلها. فقوله : أَوَآباؤُنَا مبتدأ، خبره محذوف تقديره مبعوثون، ويدل عليه ما قبله. فإذا قلت : أقام زيد أو عمرو، فعمرو مبتدأ محذوف الخبر لما ذكرنا، واستفهامهم تضمن إنكارا واستبعادا، فأمر اللّه نبيه أن يجيبهم بنعم.
وَأَنْتُمْ داخِرُونَ : أي صاغرون، وهي جملة حالية، العامل فيها محذوف تقديره نعم تبعثون، وزادهم في الجواب أن بعثهم وهم ملتبسون بالصغار والذل. وقرأ ابن وثاب :
نعم بكسر العين، وتقدم الخلاف فيها في سورة الأعراف، وهي كناية عن البعثة، فإنما بعثتهم زَجْرَةٌ : أي صيحة، وهي النفخة الثانية. لما كانت بعثتهم ناشئة عن الزجرة جعلت إياها مجازا. وقال الزمخشري : هي مبهمة يوضحها خبرها. انتهى. وكثيرا ما يقول هو وابن مالك أن الضمير يفسره الخبر، وجعل من ذلك ابن مالك إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا «١»، وتكلمنا معه في ذلك في شرح التسهيل. وقال الزمخشري : فإنما جواب شرط مقدر، وتقديره : إذا كان ذلك، فما هي إلا زجرة واحدة. انتهى. وكثيرا ما تضمن جملة الشرط قبل فاء إذا ساغ، تقديره : ولا ضرورة تدعو إلى ذلك، ولا يحذف الشرط ويبقى جوابه إلا إذا انجزم الفعل في الذي يطلق عليه أنه جواب الأمر والنهي، وما ذكر معهما على قول بعضهم، أما ابتداء فلا يجوز حذفه.
ويَنْظُرُونَ : من النظر، أي فإذا هم بصراء ينظرون، أو من الانتظار، أي فإذا هم ينتظرون ما يفعل بهم وما يؤمرون به. والظاهر أن قوله : يا وَيْلَنا من كلام بعض الكفار لبعض، إلى آخر الجملتين، أقروا بأنه يوم الجزاء، وأنه يوم الفصل، وخاطب بعضهم بعضا. ووقف أبو حاتم على قوله : يا وَيْلَنا، وجعل هذا يَوْمُ الدِّينِ إلى آخره من قول اللّه لهم أو الملائكة. وقيل : هذا يَوْمُ الدِّينِ من كلام الكفرة، وهذا يَوْمُ الْفَصْلِ ليس من كلامهم، وإنما المعنى يقال لهم هذا يوم الفصل. ويوم الدين : يوم الجزاء والمعاوضة، ويوم الفصل : يوم الفرق بين فرق الهدى وفرق الضلال. وفي الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ توبيخ لهم وتقريع.
شُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ، مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ، وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ، ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ، بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ، قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ، قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا