مفاتيح الغيب، ج ١، ص : ١٠٣
التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ والعلة الموجبة لجواز هذا الإدغام قرب المخرج، فإن اللام وكل هذه الحروف المذكورة مخرجها من طرف اللسان وما يقرب منه، فحسن الإدغام، ولا خلاف بين القراء في امتناع إدغام لام التعريف فيما عدا هذه الثلاثة عشر كقوله :
الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ... الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ [التوبة : ١١٢] كلها بالإظهار، وإنما لم يجز الإدغام فيها لبعد المخرج، فإنه إذا بعد مخرج الحرف الأول عن مخرج الحرف الثاني ثقل النطق بهما دفعة فوجب تمييز كل واحد منهما عن الآخر، بخلاف الحرفين اللذين يقرب مخرجاهما، لأن التمييز بينهما مشكل صعب.
المسألة العاشرة : أجمعوا على أنه لا يمال لفظ «الرحمن» وفي جواز إمالته قولان للنحويين : أحدهما : أنه يجوز، ولعله قول سيبويه، وعلة جوازه انكسار النون بعد الألف، والقول الثاني : وهو الأظهر عند النحويين، أنه لا يجوز.
المسألة الحادية عشرة : أجمعوا على أن إعراب «الرحمن الرحيم» هو الجر لكونهما صفتين للمجرور الأول إلا أن الرفع والنصب جائزان فيهما بحسب النحو، أما الرفع فعلى تقدير بسم اللّه هو الرحمن الرحيم، وأما النصب فعلى تقدير بسم اللّه أعين الرحمن الرحيم.
النوع الثاني من مباحث هذا الباب ما يتعلق بالخط، وفيه مسائل :- ما يتعلق بالبسملة قراءة وكتابة :
المسألة الأولى [ما يتعلق بالبسملة قراءة وكتابة] : طولوا الباء من «بسم اللّه» وما طولوها في سائر المواضع، وذكروا في الفرق وجهين :
الأول : أنه لما حذفت ألف الوصل بعد الباء طولوا هذه الباء ليدل طولها / على الألف المحذوفة التي بعدها، ألا ترى أنهم لما كتبوا اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق : ١] بالألف ردوا الباء إلى صفتها الأصلية، الثاني : قال القتيبي، إنما طولوا الباء لأنهم أرادوا أن لا يستفتحوا كتاب اللّه إلا بحرف معظم، وكان عمر بن عبد العزيز يقول لكتابه طولوا الباء، وأظهروا السين. ودوروا الميم تعظيما لكتاب اللّه.
المسألة الثانية : قال أهل الإشارة والباء حرف منخفض في الصورة فلما اتصل بكتبة لفظ اللّه ارتفعت واستعلت، فنرجو أن القلب لما اتصل بخدمة اللّه عزّ وجلّ أن يرتفع حاله ويعلو شأنه.
المسألة الثالثة : حذفوا ألف «اسم» من قوله :«بسم اللّه» وأثبتوه في قوله :(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) والفرق من وجهين : الأول : أن كلمة «باسم اللّه» مذكورة في أكثر الأوقات عند أكثر الأفعال، فلأجل التخفيف حذفوا الألف، بخلاف سائر المواضع فإن ذكرها قليل. الثاني : قال الخليل : إنما حذفت الألف في قوله :«بسم اللّه» لأنها إنما دخلت بسبب أن الابتداء بالسين الساكنة غير ممكن، فلما دخلت الباء على الاسم نابت عن الألف فسقطت في الخط، وإنما لم تسقط في قوله : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ لأن الباء لا تنوب عن الألف في هذا الموضع كما في (بسم اللّه) لأنه يمكن حذف الباء من اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ مع بقاء المعنى صحيحا، فإنك لو قلت اقرأ اسم ربك صح المعنى، أما لو حذفت الباء من «بسم اللّه» لم يصح المعنى فظهر الفرق.
المسألة الرابعة : كتبوا لفظة اللّه بلامين، وكتبوا لفظة الذي بلام واحدة، مع استوائهما في اللفظ وفي كثرة الدوران على الألسنة، وفي لزوم التعريف، والفرق من وجوه : الأول : أن قولنا :«اللّه» اسم معرب متصرف


الصفحة التالية
Icon