مفاتيح الغيب، ج ١، ص : ١١٠
وخالق فقد عرفنا اللّه تعالى معرفة عرضية إنما الذي نفيناه الآن هو المعرفة الذاتية، فلتكن هذه الدقيقة معلومة حتى لا تقع في الغلط.
المقدمة السابعة : اعلم أن إدراك الشيء من حيث هو هو- أعني ذلك النوع الذي سميناه بالمعرفة الذاتية- يقع في الشاهد على نوعين : أحدهما : العلم، والثاني : الإبصار، فإنا إذا أبصرنا السواد ثم غمضنا العين فإنا نجد تفرقة بديهية بين الحالتين، فعلمنا أن العلم غير، وأن الأبصار غير، إذا عرفت هذا فنقول : بتقدير أنه يقال يمكن حصول المعرفة الذاتية للخلق فهل لتلك المعرفة ولذلك الإدراك طريق واحد فقط أو يمكن وقوعه على طريقين مثل ما في الشاهد من العلم والإبصار؟ هذا أيضا مما لا سبيل للعقل إلى القضاء به والجزم فيه، وبتقدير أن يكون هناك طريقان : أحدهما : المعرفة، والثاني : الإبصار فهل الأمر هناك مقصور على هذين الطريقين أو هناك طرق كثيرة ومراتب مختلفة؟ كل هذه المباحث مما لا يقدر العقل على الجزم فيها ألبتة، فهذا هو الكلام في هذه المقدمات.
المسألة العاشرة : في أنه هل للّه تعالى بحسب ذاته المخصوصة اسم أم لا؟ نقل عن قدماء الفلاسفة إنكاره، قالوا : والدليل عليه أن المراد من وضع الاسم الإشارة بذكره إلى المسمى فلو كان للّه بحسب ذاته اسم لكان المراد من وضع ذلك الاسم ذكره مع غيره لتعريف ذلك المسمى، فإذا ثبت أن أحدا من الخلق لا يعرف ذاته المخصوصة ألبتة لم يبق في وضع الاسم لتلك الحقيقة فائدة، فثبت أن هذا النوع من الاسم مفقود، فعند هذا قالوا : إنه ليس لتلك الحقيقة اسم، بل له لوازم معرفة، وتلك اللوازم هي أنه الأزلي الذي لا يزول، وأنه الواجب الذي لا يقبل العدم، وأما الذين قالوا إنه لا يمتنع في قدرة اللّه تعالى أن يشرف بعض المقربين من عباده بأن يجعله عارفا بتلك الحقيقة المخصوصة قالوا : إذا كان الأمر كذلك فحينئذ لا يمتنع وضع الاسم لتلك الحقيقة المخصوصة، فثبت أن هذه المسألة مبنية على تلك المقدمات السابقة.
المسألة الحادية عشرة : بتقدير أن يكون وضع الاسم لتلك الحقيقة المخصوصة ممكنا وجب القطع بأن ذلك الاسم أعظم الأسماء، وذلك الذكر أشرف الأذكار، لأن شرف العلم بشرف المعلوم، وشرف الذكر بشرف المذكور، فلما كان ذات اللّه تعالى أشرف المعلومات والمذكورات / كان العلم به أشرف العلوم، وكان ذكر اللّه أشرف الأذكار، وكان ذلك الاسم أشرف الأسماء وهو المراد من الكلام المشهور الواقع في الألسنة، وهو اسم اللّه الأعظم، ولو اتفق لملك مقرب أو نبي مرسل الوقوف على ذلك الاسم حال ما يكون قد تجلى له معناه لم يبعد أن يطيعه جميع عوالم الجسمانيات والروحانيات.
اسم اللّه الأعظم :
المسألة الثانية عشرة : القائلون بأن الاسم الأعظم موجود اختلفوا فيه على وجوه :- الأول : قول من يقول إن ذلك الاسم الأعظم هو قولنا : ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ [الرحمن : ٢٧] وورد فيه قوله عليه الصلاة والسلام :«ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام» وهذا عندي ضعيف، لأن الجلال إشارة إلى الصفات السلبية، والإكرام إشارة إلى الصفات الإضافية، وقد عرفت أن حقيقته المخصوصة مغايرة للسلوب والإضافات.
والقول الثاني : قول من يقول أنه هو الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة : ٢٥٥] لقوله عليه الصلاة والسلام لأبي بن


الصفحة التالية
Icon