مفاتيح الغيب، ج ١، ص : ١١٣
كان المفهوم من لفظ الشيء حاصلا في أخس الأشياء وذلك يدل على أن اسم الشيء لا يفيد صفة المدح والجلال، وأما قولنا : إن أسماء اللّه يجب أن تكون دالة على صفة المدح والجلال، فالدليل عليه قوله تعالى :
وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ [الأعراف : ١٨٠] والاستدلال بالآية أن كون الأسماء حسنة لا معنى له إلا كونها دالة على الصفات الحسنة الرفيعة الجليلة، فإذا لم يدل الاسم على هذا المعنى لم يكن / الاسم حسنا ثم إنه تعالى أمرنا بأن ندعوه بهذه الأسماء ثم قال بعد ذلك وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ [الأعراف : ١٨٠] وهذا كالتنبيه على أن من دعاه بغير تلك الأسماء الحسنة فقد ألحد في أسماء اللّه، فتصير هذه الآية دالة دلالة قوية على أنه ليس للعبد أن يدعو اللّه إلا بالأسماء الحسنى الدالة على صفات الجلال والمدح، وإذا ثبت هاتان المقدمتان فقد حصل المطلوب.
الحجة الرابعة : أنه لم ينقل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة أنه خاطب اللّه تعالى بقوله يا شيء، وكيف يقال ذلك وهذا اللفظ في غاية الحقارة، فكيف يجوز للعبد خطاب اللّه بهذا الاسم، بل نقل عنهم أنهم كانوا يقولون : يا منشئ الأشياء، يا منشئ الأرض والسماء.
واعلم أن من الناس من يظن أن هذا البحث واقع في المعنى، وهذا في غاية البعد، فإنه لا نزاع في أن اللّه تعالى موجود وذات وحقيقة، إنما النزاع في أنه هل يجوز إطلاق هذا اللفظ عليه، فهذا نزاع في مجرد اللفظ لا في المعنى، ولا يجري بسببه تكفير ولا تفسيق، فليكن الإنسان عالما بهذه الدقيقة حتى لا يقع في الغلط.
إطلاق لفظ الموجود على اللّه :
المسألة الثانية : في بيان أنه هل يجوز إطلاق لفظ الموجود على اللّه تعالى؟ اعلم أن هذا البحث يجب أن يكون مسبوقا بمقدمة، وهي أن لفظ الوجود يقال بالاشتراك على معنيين : أحدهما : أن يراد بالوجود الوجدان والإدراك والشعور، ومتى أريد بالوجود الوجدان والإدراك فقد أريد بالموجود لا محالة المدرك والمشعور به، والثاني : أن يراد بالوجود الحصول والتحقق في نفسه، واعلم أن بين الأمرين فرقا، وذلك لأن كونه معلوم الحصول في الأعيان، يتوقف على كونه حاصلا في نفسه، ولا ينعكس، لأن كونه حاصلا في نفسه لا يتوقف على كونه معلوم الحصول في الأعيان : لأنه يمتنع في العقل كونه حاصلا في نفسه مع أنه لا يكون معلوما لأحد، بقي هاهنا بحث، وهو أن لفظ الوجود هل وضع أولا للإدراك والوجدان ثم نقل ثانيا إلى حصول الشيء في نفسه، أو الأمر فيه بالعكس، أو وضعا معا؟ فنقول : هذا البحث لفظي، والأقرب هو الأول، لأنه لولا شعور الإنسان بذلك الشيء لما عرف حصوله في نفسه، فلما كان الأمر كذلك وجب أن يكون وضع اللفظ لمعنى الشعور والإدراك سابقا على وضعه لحصول الشيء نفسه.
إذا عرفت هذه المقدمة فنقول : إطلاق لفظ الموجود على اللّه تعالى يكون على وجهين : أحدهما : كونه معلوما مشعورا به، والثاني : كونه في نفسه ثابتا متحققا، أما بحسب المعنى / الأول فقد جاء في القرآن قال اللّه تعالى : لَوَجَدُوا اللَّهَ [النساء : ٦٤] ولفظ الوجود هاهنا بمعنى الوجدان والعرفان، وأما بالمعنى الثاني فهو غير موجود في القرآن.


الصفحة التالية
Icon