مفاتيح الغيب، ج ١، ص : ٢٠٧
على الظلم، فلأجل شؤم ظلمه صار الرمان هكذا، فتاب أنوشروان في قلبه عن ذلك الظلم، وقال لذلك الصبي :
أعطني رمانة أخرى، فأعطاه فعصرها فوجدها أطيب من الرمانة الأولى، فقال للصبي : لم بدلت هذه الحالة؟
فقال الصبي : لعل ملك البلد تاب عن ظلمه، فلما سمع أنوشروان هذه القصة من ذلك الصبي وكانت مطابقة لأحوال قلبه تاب بالكلية عن الظلم، فلا جرم بقي اسمه مخلداً في الدنيا بالعدل، حتى
إن من الناس من يروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«ولدت في زمن الملك العادل».
أما الأحكام المفرعة على كونه مالكاً فهي أربعة : الحكم الأول : قراءة المالك أرجى من قراءة الملك، لأن أقصى ما يرجى من الملك العدل والإنصاف وأن ينجو الإنسان منه رأساً برأس، أما المالك فالعبد يطلب منه الكسوة والطعام والرحمة والتربية فكأنه تعالى يقول : أنا مالككم فعلي طعامكم وثيابكم وثوابكم وجنتكم.
الحكم الثاني : الملك وإن كان أغنى من المالك غير أن الملك يطمع فيك والمالك أنت تطمع فيه، وليست لنا طاعات ولا خيرات فلا يريد أن يطلب منا يوم القيامة أنواع الخيرات والطاعات، بل يريد أن يطلب منه يوم القيامة الصفح والمغفرة وإعطاء الجنة بمجرد الفضل، فلهذا السبب قال الكسائي : اقرأ مالك / يوم الدين لأن هذه القراءة هي الدالة على الفضل الكثير والرحمة الواسعة. الحكم الثالث : أن الملك إذا عرض عليه العسكر لم يقبل إلا من كان قوي البدن صحيح المزاج، أما من كان مريضاً فإنه يرده ولا يعطيه شيئاً من الواجب، أما المالك إذا كان له عبد فإن مرض عالجه وإن ضعف أعانه وإن وقع في بلاء خلصه، فالقراءة بلفظ المالك أوفق للمذنبين والمساكين. الحكم الرابع : الملك له هيبة وسياسة، والمالك له رأفة ورحمة، واحتياجنا إلى الرأفة والرحمة أشد من احتياجنا إلى الهيبة والسياسة.
الفائدة الثالثة : الملك عبارة عن القدرة، فكونه مالكاً وملكاً عبارة عن القدرة، هاهنا بحث : وهو أنه تعالى إما أن يكون ملكاً للموجودات أو للمعدومات، والأول : باطل، لأن إيجاد الموجودات محال فلا قدرة للّه على الموجودات إلا بالإعدام، وعلى هذا التقرير فلا مالك إلا للعدم، والثاني : باطل أيضاً، لأنه يقتضي أن تكون قدرته وملكه على العدم ويلزم أن يقال : إنه ليس للّه في الموجودات مالكية ولا ملك وهذا بعيد.
والجواب إن اللّه تعالى مالك الموجودات، وملكها، بمعنى أنه تعالى قادر على نقلها من الوجود إلى العدم، أو بمعنى أنه قادر على نقلها من صفة إلى صفة، وهذه القدرة ليست إلا للّه تعالى، فالملك الحق هو اللّه سبحانه وتعالى، إذا عرفت أنه الملك الحق فنقول : إنه الملك ليوم الدين وذلك لأن القدرة على إحياء الخلق بعد موتهم ليست إلا للّه، والعلم بتلك الأجزاء المتفرقة من أبدان الناس ليس إلا للّه، فإذا كان الحشر والنشر والبعث والقيامة لا يتأتى إلا بعلم متعلق بجميع المعلومات وقدرة متعلقة بجميع الممكنات، ثبت أنه لا مالك ليوم الدين إلا اللّه، وتمام الكلام في هذا الفصل متعلق بمسألة الحشر والنشر.
فإن قيل : إن المالك لا يكون مالكاً للشيء إلا إذا كان المملوك موجوداً، والقيامة غير موجودة في الحال، فلا يكون اللّه مالكاً ليوم الدين، بل الواجب أن يقال : مالك يوم الدين، بدليل أنه لو قال : أنا قاتل زيد، فهذا إقرار، ولو قال أنا قاتل زيداً بالتنوين كان تهديداً ووعيداً.
قلنا : الحق ما ذكرتم، إلا أن قيام القيامة لما كان أمراً حقاً لا يجوز الإخلال في الحكمة جعل وجود


الصفحة التالية
Icon