مفاتيح الغيب، ج ١، ص : ٣٢
والحروف من وجهين : الأول : أن الإنسان يرمي ذلك النفس من داخل الصدر إلى خارجه ويلفظه، وذلك هو الإخراج، واللفظ سبب لحدوث هذه الكلمات، فأطلق اسم اللفظ على هذه الكلمات لهذا السبب، والثاني : أن تولد الحروف لما كان بسبب لفظ ذلك الهواء من الداخل إلى الخارج صار ذلك شبيها بما أن الإنسان يلفظ تلك الحروف ويرميها من الداخل إلى الخارج، والمشابهة إحدى أسباب المجاز.
المسألة التاسعة، العبارة : وتركيبها من «ع ب ر» وهي في تقاليبها الستة تفيد العبور والانتقال، فالأول :
«ع ب ر» ومنه العبارة لأن الإنسان لا يمكنه أن يتكلم بها إلا إذا انتقل من حرف إلى حرف آخر، وأيضا كأنه بسبب تلك العبارة ينتقل المعنى من ذهن نفسه إلى ذهن السامع، ومنه العبرة لأن تلك الدمعة تنتقل من داخل العين إلى الخارج، ومنه العبر لأن الإنسان ينتقل فيها من الشاهد إلى الغائب. ومنه المعبر لأن الإنسان ينتقل بواسطته من أحد طرفي البحر إلى الثاني، ومنه التعبير لأنه ينتقل مما يراه في النوم إلى المعاني الغائبة، والثاني :
«ع ر ب» ومنه تسمية العرب بالعرب لكثرة انتقالاتهم بسبب رحلة الشتاء والصيف / ومنه «فلان أعرب في كلامه» لأن اللفظ قبل الإعراب يكون مجهولا فإذا دخله الإعراب انتقل إلى المعرفة والبيان، والثالث :«ب ر ع» ومنه «فلان برع في كذا» إذا تكامل وتزايد، الرابع :«ب ع ر» ومنه البعر لكونه منتقلا من الداخل إلى الخارج، الخامس :«ر ع ب» ومنه يقال للخوف رعب لأن الإنسان ينتقل عند حدوثه من حال إلى حال أخرى، والسادس :«ر ب ع» ومنه الربع لأن الناس ينتقلون منها وإليها.
الفرق بين الكلمة والكلام :
المسألة العاشرة :[الفرق بين الكلمة والكلام ] قال أكثر النحويون : الكلمة غير الكلام، فالكلمة هي اللفظة المفردة، والكلام هو الجملة المفيدة، وقال أكثر الأصوليين إنه لا فرق بينهما، فكل واحد منهما يتناول المفرد والمركب، وابن جني وافق النحويين واستبعد قول المتكلمين، وما رأيت في كلامه حجة قوية في الفرق سوى أنه نقل عن سيبويه كلاما مشعرا بأن لفظ الكلام مختص بالجملة المفيدة، وذكر كلمات أخرى إلا أنها في غاية الضعف، أما الأصوليون فقد احتجوا على صحة قولهم بوجوه، الأول : أن العقلاء قد اتفقوا على أن الكلام ما يضاد الخرس والسكوت، والتكلم بالكلمة الواحدة يضاد الخرس والسكوت، فكان كلاما، الثاني : أن اشتقاق الكلمة من الكلم، وهو الجرح والتأثير، ومعلوم أن من سمع كلمة واحدة فإنه يفهم معناها، فههنا قد حصل معنى التأثير، فوجب أن يكون كلاما، والثالث : يصح أن يقال : إن فلانا تكلم بهذه الكلمة الواحدة، ويصح أن يقال أيضا : أنه ما تكلم إلا بهذه الكلمة الواحدة، وكل ذلك يدل على أن الكلمة الواحدة كلام، وإلا لم يصح أن يقال تكلم بالكلمة الواحدة، الرابع : أنه يصح أن يقال تكلم فلان بكلام غير تام، وذلك يدل على أن حصول الإفادة التامة غير معتبر في اسم الكلام.
مسألة فقهية في الطلاق :
المسألة الحادية عشرة [مسألة فقهية في الطلاق ] : تفرع على الاختلاف المذكور مسألة فقهية، وهي أولى مسائل أيمان «الجامع الكبير» لمحمد بن الحسن رحمه اللّه تعالى، وهي أن الرجل إذا قال لامرأته التي لم يدخل بها : إن كلمتك فأنت طالق ثلاث مرات، قالوا : إن ذكر هذا الكلام في المرة الثانية طلقت طلقة واحدة، وهل تنعقد هذه الثانية طلقة؟


الصفحة التالية
Icon