مفاتيح الغيب، ج ١، ص : ٣٤
سبيل الحقيقة، أما لفظ الكلام فمختص بالجملة التامة، ولفظ الكلمة مختص بالمفرد وحاصل كلامه في الفرق بين البابين أنا إذا بينا أن تركيب القول يدل على الخفة والسهولة وجب أن يتناول الكلمة الواحدة، أما تركيب الكلام فيفيد التأثير، وذلك لا يحصل إلا من الجملة التامة، إلا أن هذا يشكل بلفظ الكلمة، ومما يقوي ذلك قول الشاعر :-
قلت لها قفي فقالت قاف
سمى نطقها بمجرد القاف قولا.
المسألة السادسة عشرة : قال أيضا إن لفظ القول يصح جعله مجازا عن الاعتقادات والآراء، كقولك : فلان يقول بقول أبي حنيفة، ويذهب إلى قول مالك، أي : يعتقد ما كانا يريانه ويقولان به، ألا ترى أنك لو سألت رجلا عن صحة رؤية اللّه تعالى فقال : لا تجوز رؤيته، فتقول : هذا قول المعتزلة، ولا تقول هذا كلام المعتزلة إلا على سبيل التعسف، وذكر أن السبب في حسن هذا المجاز أن الاعتقاد لا يفهم إلا بغيره، فلما حصلت المشابهة من هذا الوجه لا جرم حصل سبب جعله مجازا عنه.
يستعمل القول في غير النطق :
المسألة السابعة عشرة [يستعمل القول في غير النطق ] : لفظ قال قد يستعمل في غير النطق، قال أبو النجم :-
قالت له الطير تقدم راشدا إنك لا ترجع إلا حامدا
وقال آخر :-
وقالت له العينان سمعا وطاعة وحدرتا كالدر لما يثقب
وقال :-
امتلأ الحوض وقال : قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني
ويقال في المثل : قال الجدار للوتد لم تشقني، قال : سل من يدقني، فإن الذي ورايى ما خلاني ورايى، ومنه قوله تعالى : إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ :[النحل : ٤٠] وقوله تعالى : فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ :[فصلت : ١١].
المسألة الثامنة عشرة : الذين ينكرون كلام النفس اتفقوا على أن الكلام والقول اسم لهذه الألفاظ والكلمات، أما مثبتو كلام النفس فقد اتفقوا على أن ذلك المعنى النفساني يسمى بالكلام وبالقول، واحتجوا عليه بالقرآن والأثر والشعر : أما القرآن فقوله تعالى : وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ :[المنافقون : ١] وظاهر أنهم ما كانوا كاذبين في اللفظ لأنهم أخبروا أن محمدا / رسول اللّه وكانوا صادقين فيه، فوجب أن يقال إنهم كانوا كاذبين في كلام آخر سوى اللفظ وما هو إلا كلام النفس، ولقائل أن يقول : لا نسلم أنهم ما كانوا كاذبين في القول اللساني، قوله :«أخبروا أن محمدا رسول اللّه» قلنا : لا نسلم بل أخبروا عن كونهم شاهدين بأن محمدا رسول اللّه، لأنهم كانوا قالوا : نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ :[المنافقون : ١] والشهادة لا تحصل إلا مع العلم، وهم ما كانوا عالمين به، فثبت أنهم كانوا كاذبين، فيما أخبروا عنه بالقول اللساني، وأما الأثر فما نقل


الصفحة التالية
Icon