مفاتيح الغيب، ج ١، ص : ٤١
طرق معرفة اللغة المسألة السادسة والأربعون [طرق معرفة اللغة] : طريق معرفة اللغات إما العقل وحده وهو محال، وإما النقل المتواتر أو الآحاد وهو صحيح، وإما ما يتركب عنهما : كما إذا قيل : ثبت بالنقل جواز إدخال الاستثناء على صيغة من، وثبت بالنقل أن حكم الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل فيه، فيلزم من مجموعهما بحكم العقل كون تلك الصيغة موضوعة للعموم، وعلى هذا الطريق تعويل الأكثرين في إثبات أكثر اللغات، وهو ضعيف، لأن هذا الاستدلال إنما يصح لو قلنا إن واضع تينك المقدمتين وجب أن يكون معترفا بهذه الملازمة، وإلا لزم التناقض، لكن الواضع للغات لو ثبت أنه هو اللّه تعالى وجب تنزيهه عن المناقضة، أما لو كان هو الناس لم يجب ذلك ولما كان هذا الأصل مشكوكا كان ذلك الدليل مثله.
من اللغة ما بلغنا بالتواتر المسألة السابعة والأربعون [من اللغة ما بلغنا بالتواتر] : اللغات المنقولة إلينا بعضها منقول بالتواتر، وبعضها منقول بالآحاد، وطعن بعضهم في كونها متواترة فقال : أشهر الألفاظ هو قولنا «اللّه»، وقد اختلفوا فيها فقيل : إنها ليست عربية بل هي عبرية، وقيل : إنها اسم علم، وقيل : إنها من الأسماء / المشتقة، وذكروا في اشتقاقها وجوها عشرة، وبقي الأمر في هذه الاختلافات موقوفا إلى الآن وأيضا فلفظة الإيمان والكفر قد اختلفوا فيهما اختلافا شديدا، وكذا صيغ الأوامر والنواهي، والعموم والخصوص، مع أنها أشد الألفاظ شهرة، وإذا كان الحال كذلك في الأظهر الأقوى فما ظنك بما سواها؟ والحق أن ورود هذه الألفاظ في أصول هذه الموارد معلوم بالتواتر، فأما ماهياتها واعتباراتها فهي التي اختلفوا فيها، وذلك لا يقدح في حصول التواتر في الأصل.
المسألة الثامنة والأربعون : منهم من سلم حصول التواتر في بعض هذه الألفاظ في هذا الوقت، إلا أنه زعم أن حال الأدوار الماضية غير معلوم، فلعل النقل ينتهي في بعض الأدوار الماضية إلى الآحاد، وليس لقائل أن يقول : لو وقع ذلك لاشتهر وبلغ إلى حد التواتر، لأن هذه المقدمة إن صحت فإنما تصح في الوقائع العظيمة. وأما التصرفات في الألفاظ فهي وقائع حقيرة، والحق أن العلم الضروري حاصل بأن لفظ السماء والأرض والجدار والدار كان حالها وحال أشباهها في الأزمنة الماضية كحالها في هذا الزمان.
المسألة التاسعة والأربعون : لا شك أن أكثر اللغات منقول بالآحاد، ورواية الواحد إنما تفيد الظن عند اعتبار أحوال الرواة وتصفح أحوالهم بالجرح والتعديل، ثم إن الناس شرطوا هذه الشرائط في رواة الأحاديث، ولم يعتبروها في رواة اللغات، مع أن اللغات تجري مجرى الأصول للأحاديث، ومما يؤكد هذا السؤال أن الأدباء طعن بعضهم في بعض بالتجهيل تارة وبالتفسيق أخرى، والعداوة الحاصلة بين الكوفيين والبصريين مشهورة، ونسبة أكثر المحدثين أكثر الأدباء إلى ما لا ينبغي مشهورة، وإذا كان كذلك صارت رواياتهم غير مقبولة وبهذا الطريق تسقط أكثر اللغات عن درجات القبول، والحق أن أكثر اللغات قريب من التواتر، وبهذا الطريق يسقط هذا الطعن.
دلالة الألفاظ على معانيها ظنية :
المسألة الخمسون [دلالة الألفاظ على معانيها ظنية] : دلالة الألفاظ على معانيها ظنية لأنها موقوفة على نقل اللغات، ونقل الإعرابات


الصفحة التالية
Icon