مفاتيح الغيب، ج ١، ص : ٦٢
جعل مرفوعا رعاية لحق هذه المشابهة، وحجة سيبويه : أنا بينا أن الجملة الاسمية مقدمة على الجمل الفعلية، فإعراب الجملة الاسمية يجب أن يكون مقدما على إعراب الجملة الفعلية، والجواب : أن الفعل أصل في الإسناد إلى الغير فكانت الجملة الفعلية مقدمة. وحينئذ يصير هذا الكلام دليلا للخليل.
أنواع المفاعيل :
المسألة الثانية والثلاثون [أنواع المفاعيل ] :
المفاعيل خمسة، لأن الفاعل لا بد له من فعل وهو المصدر، ولا بد لذلك الفعل من زمان، ولذلك الفاعل من عرض، ثم قد يقع ذلك الفعل في شيء آخر وهو المفعول به، وفي مكان، ومع شيء آخر، فهذا ضبط القول في هذه المفاعيل. وفيه مباحث عقلية : أحدها : أن المصدر قد يكون هو نفس المفعول به كقولنا :
«خلق اللّه العالم» فإن خلق العالم لو كان مغايرا للعالم لكان ذلك المغاير له إن كان قديما لزم من قدمه قدم العالم وذلك ينافي كونه مخلوقا وإن كان حادثا افتقر خلقه إلى خلق آخر ولزم التسلسل وثانيها : أن فعل اللّه يستغني عن الزمان، لأنه لو افتقر إلى زمان وجب أن يفتقر حدوث ذلك الزمان إلى زمان آخر ولزم التسلسل وثالثها : أن فعل اللّه يستغني عن العرض، لأن ذلك العرض إن كان قديما لزم قدم الفعل وإن كان حادثا لزم التسلسل، وهو محال.
عامل النصب في المفاعيل :
المسألة الثالثة والثلاثون [عامل النصب في المفاعيل ] :
اختلفوا في العامل في نصب المفعول على أربعة أقوال : الأول : وهو قول البصريين- أن الفعل وحده يقتضي رفع الفاعل ونصب المفعول : والثاني : وهو قول الكوفيين- أن مجموع الفعل والفاعل يقتضي نصب المفعول، والثالث : وهو قول هشام بن معاوية من الكوفيين- أن العامل هو الفاعل فقط، والرابع :
وهو قول خلف الأحمر من الكوفيين- أن العامل في الفاعل معنى الفاعلية، وفي المفعول معنى المفعولية.
حجة البصريين أن العامل لا بد وأن يكون له تعلق بالمعمول، وأحد الاسمين لا تعلق له بالآخر، فلا يكون له فيه عمل ألبتة، وإذا سقط لم يبق العمل إلا للفعل.
حجة المخالف أن العامل الواحد لا يصدر عنه أثران لما ثبت أن الواحد لا يصدر عنه / إلا أثر واحد.
قلنا : ذاك في الموجبات، أما في المعرفات فممنوع.
واحتج خلف بأن الفاعلية صفة قائمة بالفاعل، والمفعولية صفة قائمة بالمفعول، ولفظ الفعل مباين لهما، وتعليل الحكم بما يكون حاصلا في محل الحكم أولى من تعليله بما يكون مباينا له، وأجيب عنه بأنه معارض بوجه آخر : وهو أن الفعل أمر ظاهر، وصفة الفاعلية والمفعولية أمر خفي، وتعليل الحكم الظاهر بالمعنى الظاهر أولى من تعليله بالصفة الخفية واللّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon