مفاتيح الغيب، ج ١، ص : ٦٨
وعن أبي هريرة أنه جهر به، ثم قال : فإن جهر به جاز، وإن أسر به أيضا جاز وقال في «الإملاء» : ويجهر بالتعوذ، فإن أسر لم يضر، بين أن الجهر عنده أولى، وأقول : الاستعاذة إنما تقرأ بعد الافتتاح وقبل الفاتحة، فإن ألحقناها بما قبلها لزم الإسرار، وإن ألحقناها بالفاتحة لزم الجهر، إلا أن المشابهة بينها وبين الافتتاح أتم، لكون كل واحد منهما نافلة عند الفقهاء، ولأن الجهر كيفية وجودية والإخفاء عبارة عن عدم تلك الكيفية، والأصل هو العدم.
هل يتعوذ في كل ركعة :
المسألة الخامسة [هل يتعوذ في كل ركعة] : قال الشافعي رضي اللّه عنه في «الأم» : قيل إنه يتعوذ في كل ركعة، ثم قال : والذي أقوله إنه لا يتعوذ إلا في الركعة الأولى، وأقول : له أن يحتج عليه بأن الأصل هو العدم، وما لأجله أمرنا بذكر الاستعاذة هو قوله : فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل : ٩٨] وكلمة إذا لا تفيد العموم، ولقائل أن يقول :
قد ذكرنا أن ترتيب الحكم على الوصف المناسب يدل على العلية، فيلزم أن يتكرر الحكم بتكرر العلة، واللّه أعلم.
صيغ الاستعاذة :
المسألة السادسة [صيغ الاستعاذة] : أنه تعالى قال في سورة النحل : فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [النحل : ٩٨] وقال في سورة أخرى إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الدخان : ٦] وفي سورة ثالثة إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف : ٢٠٠] فلهذا السبب اختلف العلماء فقال الشافعي : واجب أن يقول، أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم وهو قول أبي حنيفة، قالوا : لأن هذا النظم موافق لقوله تعالى : فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ، وموافق أيضا لظاهر الخبر الذي رويناه عن جبير بن مطعم، وقال أحمد : الأولى أن يقول أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم إنه هو السميع العليم جمعا بين الآيتين، وقال بعض أصحابنا، الأولى أن يقول : أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم، لأن هذا أيضا جمع بين الآيتين، وروى البيهقي في «كتاب السنن» بإسناده عن أبي سعيد الخدري أنه قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا قام من الليل كبر ثلاثا وقال : أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم،
وقال الثوري والأوزاعي : الأولى أن يقول أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم إن اللّه هو السميع العليم، وروى الضحاك عن ابن عباس أن أول ما نزل جبريل على محمد عليه الصلاة والسلام قال : قل يا محمد :
أستعيذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم، ثم قال : قل بسم اللّه الرحمن الرحيم اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق : ١].
وبالجملة فالاستعاذة تطهر القلب عن كل ما يكون مانعا من الاستغراق في اللّه، والتسمية توجه القلب إلى هيبة جلال اللّه واللّه الهادي.
هل التعوذ للقراءة أو للصلاة :
المسألة السابعة [هل التعوذ للقراءة أو للصلاة] : التعوذ في الصلاة لأجل القراءة أم لأجل الصلاة؟ عند أبي حنيفة ومحمد أنه لأجل القراءة، وعند أبي يوسف أنه لأجل الصلاة، ويتفرع على هذا الأصل فرعان : الفرع الأول : أن المؤتم هل يتعوذ خلف الإمام أم لا؟ عندهما لا يتعوذ، لأنه لا يقرأ، وعنده يتعوذ، وجه قولهما قوله تعالى : فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ علق الاستعاذة على القراءة، ولا قراءة على المقتدي، فلا يتعوذ، ووجه قول


الصفحة التالية
Icon