مفاتيح الغيب، ج ١، ص : ٨٠
المتعلقة بتدبير الأجسام، وأشرفها حملة العرش، كما قال تعالى : وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ [الحاقة : ١٧] والمرتبة الثانية : الحافون حول العرش، كما قال تعالى : وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ [الزمر : ٧٥] والمرتبة الثالثة : ملائكة الكرسي، والمرتبة الرابعة : ملائكة السموات طبقة طبقة، والمرتبة الخامسة : ملائكة كرة الأثير، والمرتبة السادسة : ملائكة كرة الهواء الذي هو في طبع النسيم، والمرتبة السابعة : ملائكة كره الزمهرير، والمرتبة الثامنة : مرتبة الأرواح المتعلقة بالبحار، والمرتبة التاسعة : مرتبة الأرواح المتعلقة بالجبال، والمرتبة العاشرة : مرتبة الأرواح السفلية المتصرفة في هذه الأجسام النباتية والحيوانية الموجودة في هذا العالم.
واعلم أنه على كلا القولين فهذه الأرواح قد تكون مشرقة إلهية خيرة سعيدة، وهي المسماة بالصالحين من الجن، وقد تكون كدرة سفلية شريرة شقية، وهي المسماة بالشياطين.
واحتج المنكرون لوجود الجن والشياطين بوجوه : الحجة الأولى : إن الشيطان لو كان موجودا لكان إما أن يكون جسما كثيفا أو لطيفا، والقسمان بطلان فيبطل القول بوجوده وإنما قلنا أنه يمتنع أن يكون جسما كثيفا لأنه لو كان كذلك لوجب أن يراه كل من كان سليم الحس، إذ لو جاز أن يكون بحضرتنا أجسام كثيفة ونحن لا نراها لجاز أن يكون بحضرتنا جبال عالية وشموس مضيئة ورعود وبروق مع أنا لا نشاهد شيئا منها، ومن جوز ذلك كان خارجا عن العقل، وإنما قلنا إنه لا يجوز كونها أجساما لطيفة وذلك لأنه لو كان كذلك لوجب أن تتمزق أو تتفرق عند هبوب الرياح العاصفة القوية، وأيضا يلزم أن لا يكون لها / قوة وقدرة على الأعمال الشاقة، ومثبتو الجن ينسبون إليها الأعمال الشاقة، ولما بطل القسمان ثبت فساد القول بالجن.
الحجة الثانية : أن هذه الأشخاص المسماة بالجن إذا كانوا حاضرين في هذا العالم مخالطين للبشر فالظاهر الغالب أن يحصل لهم بسبب طول المخالطة والمصاحبة إما صداقة وإما عداوة، فإن حصلت الصداقة وجب ظهور المنافع بسبب تلك الصداقة، وإن حصلت العداوة وجب ظهور المضار بسبب تلك العداوة، إلا أنا لا نرى أثرا لا من تلك الصداقة ولا من تلك العداوة وهؤلاء الذين يمارسون صنعة التعزيم إذا تابوا من الأكاذيب يعترفون بأنهم قط ما شاهدوا أثرا من هذا الجن، وذلك مما يغلب على الظن عدم هذه الأشياء وسمعت واحدا ممن تاب عن تلك الصنعة قال إني واظبت على العزيمة الفلانية كذا من الأيام وما تركت دقيقة من الدقائق إلا أتيت بها ثم إني ما شاهدت من تلك الأحوال المذكورة أثرا ولا خبرا.
الحجة الثالثة : أن الطريق إلى معرفة الأشياء إما الحس، وإما الخبر، وإما الدليل : أما الحس فلم يدل على وجود هذه الأشياء، لأن وجودها إما بالصورة أو الصوت فإذا كنا لا نرى صورة ولا سمعنا صوتا فكيف يمكننا أن ندعي الإحساس بها، والذين يقولون أنا أبصرناها أو سمعنا أصواتها فهم طائفتان : المجانين الذين يتخيلون أشياء بسبب خلل أمزجتهم فيظنون أنهم رأوها، والكذابون المخرفون، وأما إثبات هذه الأشياء بواسطة أخبار الأنبياء والرسل فباطل لأن هذه الأشياء لو ثبتت لبطلت نبوة الأنبياء فإن على تقدير ثبوتها يجوز أن يقال إن كل ما تأتي به الأنبياء من المعجزات إنما حصل بإعانة الجن والشياطين، وكل فرع أدى إلى إبطال الأصل كان باطلا، مثاله إذا جوزنا نفوذ الجن في بواطن الإنسان فلم لا يجوز أن يقال : إن حنين الجذع إنما كان لأجل أن الشيطان نفذ في ذلك الجذع ثم أظهر الحنين ولم لا يجوز أن يقال إن الناقة إنما تكلمت مع الرسول عليه السلام


الصفحة التالية
Icon