مفاتيح الغيب، ج ١، ص : ٨٥
لاستتارهم عن العيون، إلا أن يقال : إن هذا من باب تقييد المطلق بسبب العرف. والقول الثاني : أنهم سموا بهذا الاسم لأنهم كانوا في أول أمرهم خزان الجنة والقول الأول أقوى.
طوائف المكلفين :
المسألة الخامسة : اعلم أن طوائف المكلفين أربعة : الملائكة، والإنس، والجن، والشياطين، واختلفوا في الجن والشياطين فقيل : الشياطين جنس والجن جنس آخر، كما أن الإنسان جنس والفرس جنس آخر، وقيل : الجن منهم أخيار ومنهم أشرار والشياطين اسم لأشرار الجن.
تسلط الجن على الإنس :
المسألة السادسة : المشهور أن الجن لهم قدرة على النفوذ في بواطن البشر، وأنكر أكثر المعتزلة ذلك، أما المثبتون فقد احتجوا بوجوه : الأول : أنه إن كان الجن عبارة عن موجود / ليس بجسم ولا جسماني فحينئذ يكون معنى كونه قادرا على النفوذ في باطنه أنه يقدر على التصرف في باطنه، وذلك غير مستبعد، وإن كان عبارة عن حيوان هوائي لطيف نفاذ كما وصفناه كان نفاذه في باطن بني آدم أيضا غير ممتنع قياسا على النفس وغيره.
الثاني : قوله تعالى : لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ. [البقرة : ٢٧٥] الثالث :
قوله عليه السلام :«إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم».
أما المنكرون فقد احتجوا بأمور : الأول : قوله تعالى حكاية عن إبليس لعنه اللّه وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم : ٢٢] صرح بأنه ما كان له على البشر سلطان إلا من الوجه الواحد، وهو إلقاء الوسوسة والدعوة إلى الباطل. الثاني : لا شك أن الأنبياء والعلماء المحققين يدعون الناس إلى لعن الشيطان والبراءة منه، فوجب أن تكون العداوة بين الشياطين وبينهم أعظم أنواع العداوة، فلو كانوا قادرين على النفوذ في بواطن البشر وعلى إيصال البلاء والشر إليهم لوجب أن يكون تضرر الأنبياء والعلماء منهم أشد من تضرر كل أحد، ولما لم يكن كذلك علمنا أنه باطل.
صفة الملائكة :
المسألة السابعة : اتفقوا على أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وأما الجن والشياطين فإنهم يأكلون ويشربون، قال عليه السلام في الروث والعظم :«إنه زاد إخوانكم من الجن» وأيضا فإنهم يتوالدون قال تعالى : أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي [الكهف : ٥٠].
وسوسة الشيطان :
المسألة الثامنة : في كيفية الوسوسة بناء على ما ورد في الآثار : ذكروا أنه يغوص في باطن الإنسان، ويضع رأسه على حبة قلبه، ويلقي إليه الوسوسة واحتجوا عليه بما
روي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :«إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم، ألا فضيقوا مجاريه بالجوع»
وقال عليه السلام :«لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات».
ومن الناس من قال : هذه الأخبار لا بد من تأويلها، لأنه يمتنع حملها على ظواهرها، واحتج عليه


الصفحة التالية
Icon