مفاتيح الغيب، ج ١٢، ص : ٤٧٦
حصل لها من الوجود وكمالات الوجود في ذواتها من صفاتها وأحوالها وعلائقها، فمن إيجاد الحق ومن جوده ووجوده، فعند هذا يعرف من معنى قوله الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ذرة، وهذا بحر لا ساحل له، وكلام لا آخر له واللَّه أعلم.
المسألة السادسة : إنا وإن ذكرنا أن قوله الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أجري مجرى قوله قولوا : الحمد للَّه ربّ العالمين فإنما ذكرناه لأن قوله في أثناء السورة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ لا يليق إلا بالعبد فلهذا السبب افتقرنا هناك إلى هذا الإضمار. أما هذه السورة وهي قوله الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فلا يبعد أن يكون المراد منه ثناء اللَّه تعالى به على نفسه.
وإذا ثبت هذا فنقول : إن هذا يدل من بعض الوجوه، على أنه تعالى منزّه عن الشبيه في اللذات والصفات والأفعال وذلك لأن قوله الْحَمْدُ لِلَّهِ جار مجرى مدح النفس وذلك قبيح في الشاهد، فلما أمرنا بذلك دلّ هذا على أنه لا يمكن قياس الحق على الخلق، فكما أن هذا قبيح من الخلق مع أنه لا يقبح من الحق، فكذلك ليس كل ما يقبح من الخلق وجب أن يقبح من الحق. وبهذا الطريق وجب أن يبطل كلمات المعتزلة في أن ما قبح منا وجب أن يقبح من اللَّه.
إذا عرفت بهذا الطريق أن أفعاله لا تشبه أفعال الخلق، فكذلك صفاته لا تشبه صفات الخلق، وذاته لا تشبه ذوات الخلق، وعند هذا يحصل التنزيه المطلق والتقديس الكامل عن كونه تعالى / مشابها لغيره في الذات والصفات والأفعال، فهو اللَّه سبحانه واحد في ذاته، لا شريك له في صفاته، ولا نظير له واحد في أفعاله لا شبيه له تعالى وتقدس واللَّه أعلم.
أما قوله سبحانه الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ففيه مسألتان : الأولى : في السؤالات المتوجهة على هذه الآية وهي ثلاثة :
السؤال الأول : أن قوله الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ جار مجرى ما يقال : جاءني الرجل الفقيه. فإن هذا يدل على وجود رجل آخر ليس بفقيه، وإلا لم يكن إلى ذكر هذه الصفة حاجة كذا هاهنا قوله الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ يوهم أن هناك إلها لم يخلق السموات والأرض، وإلا فأي فائدة في هذه الصفة؟
والجواب : أنا بينا أن قوله (اللَّه) جار مجرى اسم العلم. فإذا ذكر الوصف لا سم العلم لم يكن المقصود من ذكر الوصف التمييز، بل تعريف كون ذلك المعنى المسمى، موصوفا بتلك الصفة. مثاله إذا قلنا الرجل العالم، فقولنا : الرجل اسم الماهية، والماهية تتناول الأشخاص المذكورين الكثيرين. فكان المقصود هاهنا من ذكر الوصف تمييز هذا الرجل بهذا الاعتبار عن سائر الرجال بهذه الصفة. أما إذا قلنا : زيد العالم، فلفظ زيد اسم علم، وهو لا يفيد إلا هذه الذات المعينة، لأن أسماء الأعلام قائمة مقام الإشارات. فإذا وصفناه بالعلمية امتنع أن يكون المقصود منه تمييز ذلك الشخص عن غيره، بل المقصود منه تعريف كون ذلك المسمى موصوفا بهذه الصفة. ولما كان لفظ (اللَّه) من باب أسماء الأعلام، لا جرم كان الأمر على ما ذكرناه واللَّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon