مفاتيح الغيب، ج ١٢، ص : ٥٢٤
والجواب : لا يبعد أن يوصف بأنها دابة من حيث إنها تدب في الماء أو هي كالطير، لأنها تسبح في الماء، كما أن الطير يسبح في الهواء، إلا أن وصفها بالدبيب أقرب إلى اللغة من وصفها بالطيران.
السؤال الثاني : ما الفائدة في تقييد الدابة بكونها في الأرض؟
والجواب من وجهين : الأول : أنه خص ما في الأرض بالذكر دون ما في السماء احتجاجا بالأظهر لأن ما في السماء وإن كان مخلوقا مثلنا فغير ظاهر، والثاني : أن المقصود من ذكر هذا الكلام أن عناية اللَّه تعالى لما كانت حاصلة في هذه الحيوانات فلو كان إظهار المعجزات القاهرة مصلحة لما منع اللَّه من إظهارها. وهذا المقصود إنما يتم بذكر من كان أدون مرتبة من الإنسان لا بذكر من كان أعلى حالا منه، فلهذا المعنى قيد الدابة بكونها في الأرض.
السؤال الثالث : ما الفائدة في قوله يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ؟ مع أن كل طائر إنما يطير بجناحيه.
والجواب فيه من وجوه : الأول : أن هذا الوصف إنما ذكر للتأكيد كقوله نعجة أنثى وكما يقال : كلمته بفي ومشيت إليه برجلي. الثاني : أنه قد يقول الرجل لعبده طر في حاجتي والمراد الإسراع وعلى هذا التقدير : فقد يحصل الطيران لا بالجناح. قال الحماسي :
طاروا إليه زرافات ووحدانا
فذكر الجناح ليتمحض هذا الكلام في الطير. والثالث : أنه تعالى قال في صفة الملائكة جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ [فاطر : ١] فذكر هاهنا قوله وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ ليخرج عنه الملائكة فإنا بينا أن المقصود من هذا الكلام إنما يتم بذكر من كان أدون حالا من الإنسان لا بذكر من كان أعلى حالا منه.
السؤال الرابع : كيف قال : إِلَّا أُمَمٌ مع إفراد الدابة والطائر؟
والجواب : لما كان قوله ما مِنْ دَابَّةٍ ولا طائِرٍ دالا على معنى الاستغراق ومغنيا عن أن يقول : وما من دواب ولا طيور لا جرم حمل قوله إِلَّا أُمَمٌ على المعنى.
السؤال الخامس : قوله إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ قال الفرّاء : يقال إن كل صنف من البهائم أمة وجاء في الحديث :«لو لا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها»
فجعل الكلاب أمة.
إذا ثبت هذا فنقول : الآية دلت على أن هذه الدواب والطيور أمثالنا، وليس فيها ما يدل على أن هذه المماثلة في أي المعاني حصلت ولا يمكن أن يقال : المراد حصول المماثلة من كل الوجوه وإلا لكان يجب كونها أمثالا لنا في الصورة والصفة والخلقة وذلك باطل فظهر أنه لا دلالة في الآية على أن تلك المماثلة حصلت في أي الأحوال والأمور فبينوا ذلك.
والجواب : اختلف الناس في تعيين الأمر الذي حكم اللَّه تعالى فيه بالمماثلة بين البشر وبين الدواب والطيور وذكروا فيه أقوالا :
القول الأول : نقل الواحدي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما أنه قال : يريد، يعرفونني ويوحدونني


الصفحة التالية
Icon