مفاتيح الغيب، ج ١٢، ص : ٥٣٦
الباصرة، والقلب محل الحياة والعقل والعلم. فلو زالت هذه الصفات عن هذه الأعضاء اختل أمر الإنسان وبطلت مصالحه في الدنيا وفي الدين. ومن المعلوم بالضرورة أن القادر على تحصيل هذه القوى فيها وصونها عن الآفات والمخافات ليس إلا اللَّه. وإذا كان الأمر كذلك، كان المنعم بهذه النعم العالية والخيرات الرفيعة هو اللَّه سبحانه وتعالى فوجب أن يقال المستحق للتعظيم والثناء والعبودية ليس إلا اللَّه تعالى وذلك يدل على أن عبادة الأصنام طريقة باطلة فاسدة.
المسألة الثانية : ذكروا في قوله وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ وجوها : الأول : قال ابن عباس : معناه وطبع على قلوبهم فلم يعقلوا الهدى. الثاني : معناه وأزال عقولكم حتى تصيروا كالمجانين. والثالث : المراد بهذا الختم الاماتة أي يميت قلوبكم.
المسألة الثالثة : قوله مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ... مَنْ رفع بالابتداء وخبره إِلهٌ وغَيْرُ صفة له وقوله يَأْتِيكُمْ بِهِ هذه الهاء تعود على معنى الفعل. والتقدير : من إله غير اللَّه يأتيكم بما أخذ منكم.
المسألة الرابعة : روي عن نافع بِهِ انْظُرْ بضم الهاء وهو على لغة من يقرأ فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ [القصص : ٨١] فحذف الواو لالتقاء الساكنين فصار بِهِ انْظُرْ والباقون بكسر الهاء. وقرأ حمزة والكسائي يَصْدِفُونَ بإشمام الزاي والباقون بالصاد أي يعرضون عنه. يقال : صرف عنه أي أعرض والمراد من تصريف الآيات إيرادها على الوجوه المختلفة المتكاثرة بحيث يكون كل واحد منها يقوي ما قبله في الإيصال إلى المطلوب فذكر تعالى أن مع هذه المبالغة في التفهيم والتقرير والإيضاح والكشف، انظر يا محمد أنهم كيف يصدفون ويعرضون.
المسألة الخامسة : قال الكعبي : دلت هذه الآية على أنه تعالى مكنهم من الفهم، ولم يخلق فيهم الاعراض والصد ولو كان تعالى هو الخالق لما فيهم من الكفر لم يكن لهذا الكلام معنى. واحتج أصحابنا بعين هذه الآية وقالوا : إنه تعالى بين أنه بالغ في إظهار هذه الدلالة وفي تقريرها وتنقيحها وإزالة جهات الشبهات عنها، ثم إنهم مع هذه المبالغة القاطعة للعذر ما زادوا إلا تماديا في الكفر والغي والعناد، وذلك يدل على أن الهدى والضلال لا يحصلان إلا بهداية اللَّه وإلا بإضلاله فثبت أن هذه الآية دلالتها على قولنا أقوى من دلالتها على قولهم واللَّه أعلم.
[سورة الأنعام (٦) : آية ٤٧]
قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧)
اعلم أن الدليل المتقدم كان مختصا بأخذ السمع والبصر والقلب وهذا عام في جميع أنواع العذاب، والمعنى : أنه لا دافع لنوع من أنواع العذاب إلا اللَّه سبحانه، ولا محصل لخير من الخيرات إلا اللَّه سبحانه، فوجب أن يكون هو المعبود بجميع أنواع العبادات لا غيره.
فإن قيل : ما المراد بقوله بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً قلنا العذاب الذي يجيئهم إما أن يجيئهم من غير سبق علامة تدلهم على مجيء ذلك العذاب أو مع سبق هذه العلامة. فالأول : هو البغتة. والثاني : هو الجهرة. والأول سماه اللَّه تعالى بالبغتة، لأنه فاجأهم بها وسمى الثاني جهرة، لأن نفس العذاب وقع بهم وقد عرفوه حتى لو أمكنهم الاحتراز عنه لتحرزوا منه.