مفاتيح الغيب، ج ١٢، ص : ٥٤٤
بهذا الايمان، فصارت هذه الآية دليلا على قولنا في هذه المسألة من هذين الوجهين : أجاب الجبائي عنه، بأن الفتنة في التكليف ما يوجب التشديد، وإنما فعلنا ذلك ليقولوا أهؤلاء؟ أي ليقول بعضهم لبعض استفهاما لا إنكارا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا بالإيمان؟ وأجاب الكعبي عنه بأن قال : وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ليصبروا أو ليشكروا، فكان عاقبة أمرهم أن قالوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا على ميثاق قوله فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [القصص : ٨] والجواب عن الوجهين أنه عدول عن الظاهر من غير دليل لا سيما والدليل العقلي قائم على صحة هذا الظاهر، وذلك لأنه لما كانت مشاهدة هذه الأحوال توجب الأنفة، والأنفة توجب العصيان والإصرار على الكفر، وموجب الموجب موجب، كان الإلزام واردا، واللَّه أعلم.
المسألة الثالثة : في كيفية افتتان البعض بالبعض وجوه : الأول : أن الغنى والفقر كانا سببين لحصول هذا الافتتان كما ذكرنا في قصة نوح عليه السلام، وكما قال في قصة قوم صالح قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ [الأعراف : ٧٦] والثاني : ابتلاء الشريف بالوضيع. والثالث : ابتلاء الذكي بالأبله. وبالجملة فصفات الكمال مختلفة متفاوتة، ولا تجتمع في / إنسان واحد ألبتة، بل هي موزعة على الخلق وصفات الكمال محبوبة لذاتها، فكل أحد يحسد صاحبه على ما آتاه اللَّه من صفات الكمال.
فأما من عرف سر اللَّه تعالى في القضاء والقدر رضي بنصيب نفسه وسكت عن التعرض للخلق، وعاش عيشا طيبا في الدنيا والآخرة، واللَّه أعلم.
المسألة الرابعة : قال هشام بن الحكم : إنه تعالى لا يعلم الجزئيات إلا عند حدوثها، واحتج بهذه الآية، لأن الافتتان هو الاختبار والامتحان، وذلك لا يصح إلا لطلب العلم وجوابه قد مر غير مرة.
ثم الجزء الثاني عشر، ويليه إن شاء اللَّه تعالى الجزء الثالث عشر، وأوله قوله تعالى : وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا من سورة الأنعام أعان اللَّه على إكماله.


الصفحة التالية
Icon