مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢١١
تعالى كان يعلم منه انه يموت على أقبح انواع الكفر والفسق سواء اعلمه بوقت موته او لم يعلمه بذلك فلم يكن ذلك الأعلام موجبا اغراءه بالقبيح ومثاله انه تعالى عرف أنبياءه انهم يموتون على الطهارة والعصمة ولم يكن ذلك موجبا اغراءهم بالقبيح لأجل انه تعالى علم منهم سواء عرفهم تلك الحالة او لم يعرفهم هذه الحالة انهم يموتون على الطهارة والعصمة فلما كان / لا يتفاوت حالهم بسبب هذا التعريف لا جرم ما كان ذلك التعريف إغراء بالقبيح فكذا هاهنا واللّه اعلم.
المسألة الثانية : قول إبليس : فَبِما أَغْوَيْتَنِي يدل على انه أضاف إغواءه إلى اللّه تعالى وقوله في آية اخرى : فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص : ٨٢] يدل على انه أضاف إغواء العباد إلى نفسه. فالأول : يدل على كونه على مذهب الجبر. والثاني : يدل على كونه على مذهب القدر وهذا يدل على انه كان متحيرا في هذه المسألة او يقال : انه كان يعتقد ان الإغواء لا يحصل الا بالمغوي فجعل نفسه مغويا لغيره من الغاوين ثم زعم ان المغوي له هو اللّه تعالى قطعا للتسلسل واختلف الناس في تفسيره هذه الكلمة اما أصحابنا فقالوا :
الإغواء إيقاع الغي في القلب والغي هو الاعتقاد الباطل وذلك يدل على انه كان يعتقد ان الحق والباطل انما يقع في القلب من اللّه تعالى. اما المعتزلة فلهم هاهنا مقامان : أحدهما : ان يفسروا الغي بما ذكرناه. والثاني : ان يذكروا في تفسيره وجها آخر.
اما الوجه الاول : فلهم فيه اعذار. الاول : ان قالوا هذا قول إبليس فهب ان إبليس اعتقد ان خالق الغي والجهل والكفر هو اللّه تعالى الا ان قوله ليس بحجة. الثاني : قالوا : ان اللّه تعالى لما امر بالسجود لآدم فعند ذلك ظهر غيه وكفره فجاز ان يضيف ذلك الغي إلى اللّه تعالى بهذا المعنى وقد يقول القائل : لا تحملني على ضربك اي لا تفعل ما أضربك عنده. الثالث : قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ والمعنى : انك بما لعنتني بسبب آدم فأنا لأجل هذه العداوة القي الوساوس في قلوبهم. الرابع : رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي [الحجر : ٣٩] اي خيبتني من جنتك عقوبة على عملي لأقعدن لهم الوجه الثاني : في تفسير الإغواء- الإهلاك- ومنه قوله تعالى : فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم : ٥٩] اي هلاكا وويلا ومنه ايضا قولهم : غوى الفصيل يغوي غوى إذا اكثر من اللبن حتى يفسد جوفه ويشارف الهلاك والعطب وفسروا قوله : إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ [هود : ٣٤] ان كان اللّه يريد ان يهلككم بعنادكم الحق فهذه جملة الوجوه المذكورة.
واعلم انا لا نبالغ في بيان ان المراد من الإغواء في هذه الآية الإضلال لان حاصله يرجع إلى قول إبليس وانه ليس بحجة الا انا نقيم البرهان اليقيني على ان المغوي لإبليس هو اللّه تعالى وذلك لان الغاوي لا بد له من مغو كما ان المتحرك لا بد له من محرك والساكن لا بد له من مسكن والمهتدي لا بد له من هاد. فلما كان إبليس غاويا فلا بد له من مغوي والمغوي له اما ان يكون نفسه او مخلوقا آخر او اللّه تعالى والاول :
باطل لان العاقل لا يختار الغواية مع / العلم بكونها غواية. والثاني : باطل والا لزم اما التسلسل واما الدور.
والثالث : هو المقصود. واللّه اعلم.
المسألة الثالثة : الباء في قوله : فَبِما أَغْوَيْتَنِي فيه وجوه : الاول : انه باء القسم اي باغوائك اياي لأقعدن لهم صراطك المستقيم اي بقدرتك علي ونفاذ سلطانك في لأقعدن لهم على الطريق المستقيم الذي يسلكونه


الصفحة التالية
Icon