مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٢٣
[في قوله تعالى يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ] اعلم ان المقصود من ذكر قصص الأنبياء عليهم السلام حصول العبرة لمن يسمعها فكأنه تعالى لما ذكر قصة آدم وبين فيها شدة عداوة الشيطان لآدم وأولاده اتبعها بأن حذر أولاد آدم من قبول وسوسة الشيطان فقال : يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وذلك لان الشيطان لما بلغ اثر كيده ولطف وسوسة وشدة اهتمامه إلى ان قدر على إلقاء آدم في الزلة الموجبة لإخراجه من الجنة فبأن يقدر على أمثال هذه المضار في حق بنى آدم اولى فبهذا الطريق حذر تعالى بني آدم بالاحتراز عن وسوسة الشيطان فقال : لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ فيترتب عليه ان لا تدخلوا الجنة كما فتن أبويكم فترتب عليه خروجهما منها واصل الفتون عرض الذهب على النار وتخليصه من الغش ثم اتى في القرآن بمعنى المحنة وهاهنا بحثان :
البحث الاول : قال الكعبي : هذه الآية حجة على من نسب خروج آدم وحواء وسائر وجوه المعاصي إلى الشيطان وذلك يدل على انه تعالى بريء منها. فيقال له لم قلتم ان كون هذا العمل منسوبا إلى الشيطان يمنع من كونه منسوبا إلى اللّه تعالى؟ ولم لا يجوز ان يقال انه تعالى لما خلق القدرة والداعية الموجبتين لذلك العمل كان منسوبا إلى اللّه تعالى؟ ولما اجرى عادته بأنه يخلق تلك الداعية بعد تزيين الشيطان وتحسينه تلك الأعمال عند ذلك الكافر كان منسوبا إلى الشيطان.
البحث الثاني : ظاهر الآية يدل على انه تعالى انما اخرج آدم وحواء من الجنة عقوبة لهما على تلك الزلة وظاهر قوله : إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة : ٣٠] يدل على انه تعالى خلقهما لخلافة الأرض وانزلهما من الجنة إلى الأرض لهذا المقصود فكيف الجمع بين الوجهين؟
وجواب : انه ربما قيل حصل لمجموع الأمرين واللّه اعلم.
ثم قال : يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما وفيه مباحث :
البحث الاول يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما حال اي أخرجهما نازعا لباسهما وأضاف نزع اللباس إلى الشيطان وان لم يتول ذلك لأنه كان بسبب منه فأسند اليه كما تقول أنت فعلت هذا؟ لمن حصل منه ذلك الفعل بسبب وان لم يباشره وكذلك لما كان نزع لباسهما بوسوسة الشيطان وغروره أسند اليه.
البحث الثاني : اللام في قوله : لِيُرِيَهُما لام العاقبة كما ذكرنا في قوله : لِيُبْدِيَ لَهُما [الأعراف : ٢٠] قال ابن عباس رضي اللّه عنهما : يرى آدم سوأة حواء وترى حواء سوأة آدم.
البحث الثالث : اختلفوا في اللباس الذي نزع منهما فقال بعضهم انه النور وبعضهم التقى وبعضهم اللباس الذي هو ثياب الجنة وهذا القول اقرب لان اطلاق اللباس يقتضيه والمقصود / من هذا الكلام تأكيد التحذير لبني آدم لأنه لما بلغ تأثير وسوسة الشيطان في حق آدم مع جلالة قدره إلى هذا الحد فكيف يكون حال آحاد الخلق؟ ثم أكد تعالى هذا التحذير بقوله : إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ وفيه مباحث :
البحث الاول : إِنَّهُ يَراكُمْ يعني إبليس هُوَ وَقَبِيلُهُ أعاد الكناية ليحسن العطف كقوله : اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [الأعراف : ١٩].
البحث الثاني : قال ابو عبيدة عن ابي زيد :«القبيل» الجماعة يكونون من الثلاثة فصاعدا من قوم شتى


الصفحة التالية
Icon