مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٣٠
والسائبة فأنزل اللّه تعالى هذه الآية بيانا لفساد قولهم في هذا الباب.
واعلم ان قوله : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا مطلق يتناول الأوقات والأحوال ويتناول جميع المطعومات والمشروبات فوجب ان يكون الأصل فيها هو الحل في كل الأوقات وفي كل المطعومات والمشروبات الا ما خصه الدليل المنفصل والعقل ايضا مؤكد له لان الأصل في المنافع الحل والاباحة.
واما قوله تعالى : وَلا تُسْرِفُوا ففيه قولان :
القول الاول : ان يأكل ويشرب بحيث لا يتعدى إلى الحرم ولا يكثر الانفاق المستقبح ولا يتناول مقدارا كثيرا يضره ولا يحتاج اليه :
والقول الثاني : وهو قول ابي بكر الأصم : ان المراد من الإسراف قولهم بتحريم البحيرة والسائبة فإنهم أخرجوها عن ملكهم وتركوا الانتفاع بها وايضا انهم حرموا على أنفسهم في وقت الحج ايضا أشياء أحلها اللّه تعالى لهم وذلك اسراف.
واعلم ان حمل لفظ الإسراف على الاستكثار مما لا ينبغي اولى من حمله على المنع من لا يجوز وينبغي.
ثم قال تعالى : إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ وهذا نهاية التهديد لان كل ما لا يحبه اللّه تعالى بقي محروما عن الثواب لان معنى محبة اللّه تعالى العبد إيصاله الثواب اليه فعدم هذه المحبة عبارة عن عدم حصول الثواب ومتى لم يحصل الثواب فقد حصل العقاب لانعقاد الإجماع على انه ليس في الوجود مكلف لا يثاب ولا يعاقب.
ثم قال تعالى : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ وفيه مسائل :
المسألة الاولى : ان هذه الآية ظاهرها استفهام الا ان المراد منه تقرير الإنكار والمبالغة في تقرير ذلك الإنكار وفي الآية قولان :
القول الاول : ان المراد من الزينة في هذه الآية اللباس الذي تستر به العورة وهو قول ابن عباس رضي اللّه عنهما وكثير من المفسرين.
والقول الثاني : انه يتناول جميع انواع الزينة فيدخل تحت الزينة جميع انواع التزيين ويدخل تحتها تنظيف البدن من جميع الوجوه ويدخل تحتها المركوب ويدخل تحتها ايضا انواع الحلي لان كل ذلك زينة ولولا النص الوارد في تحريم الذهب والفضة والإبريسم على الرجال لكان ذلك داخلا تحت هذا العموم ويدخل تحت الطيبات من الرزق كل ما يستلذ ويشتهى من انواع المأكولات والمشروبات ويدخل ايضا تحته التمتع بالنساء وبالطيب. وروي عن عثمان بن مظعون : انه اتى الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلم وقال : غلبني حديث النفس عزمت على ان اختصي فقال :«مهلا يا عثمان ان خصاء أمتي الصيام» قال : فإن نفسي تحدثني بالترهب. قال :
«ان ترهب امتي القعود في المساجد لانتظار الصلاة فقال : تحدثني نفسي بالسياحة». فقال :«سياحة امتي الغزو والحج والعمرة» فقال : ان نفسي تحدثني ان اخرج مما املك فقال :«الاولى ان تكفي نفسك وعيالك وان ترحم اليتيم والمسكين فتعطيه أفضل من ذلك» فقال : ان نفسي تحدثني ان اطلق خولة فقال :«ان الهجرة في


الصفحة التالية
Icon