مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٣٣
جميع الكبائر وبالإثم جميع الذنوب. قالوا : ان البغي والشرك لا بد وان يكونا داخلين تحت الفواحش وتحت الإثم الا ان اللّه تعالى خصهما بالذكر تنبيها على انهما أقبح انواع الذنوب كما في قوله : وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ [البقرة : ٩٨] وفي قوله : وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ [الأحزاب : ٧] واما الذين قالوا الفاحشة مخصوصة بالزنا والإثم بالخمر قالوا : البغي والشرك على هذا التقرير غير داخلين تحت الفواحش والإثم فنقول : البغي لا يستعمل الا في الاقدام على الغير نفسا او مالا او عرضا وايضا قد يراد بالبغي الخروج على سلطان الوقت.
فإن قيل : البغي لا يكون الا بغير الحق فما الفائدة في ذكر هذا الشرط.
قلنا انه مثل قوله تعالى : وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الإسراء : ٣٣] والمعنى : لا تقدموا على إيذاء الناس بالقتل والقهر الا ان يكون لكم فيه حق فحينئذ يخرج من ان يكون بغيا.
والنوع الرابع : من المحرمات قوله تعالى : وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وفيه سؤال : وهو ان هذا يوهم ان في الشرك باللّه ما قد انزل به سلطانا وجوابه : المراد منه ان الإقرار بالشيء الذي ليس على ثبوته حجة ولا سلطان ممتنع فلما امتنع حصول الحجة والتنبيه على صحة القول بالشرك فوجب ان يكون القول به باطلا على الإطلاق وهذه الآية من أقوى الدلائل على ان القول بالتقليد باطل.
والنوع الخامس : من المحرمات المذكورة في هذه الآية قوله تعالى : وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ وقد سبق تفسير هذه الآية في هذه السورة عند قوله : إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ [الأعراف : ٢٨] وبقي في الآية سؤالان :
السؤال الاول : كلمة «انما» تفيد الحصر فقوله : إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ كذا وكذا يفيد الحصر والمحرمات غير محصورة في هذه الأشياء.
والجواب : ان قلنا الفاحشة محمولة على مطلق الكبائر والإثم على مطلق الذنب دخل كل / الذنوب فيه وان حملنا الفاحشة على الزنا والإثم على الخمر قلنا : الجنايات محصورة في خمسة انواع : أحدها :
الجنايات على الأنساب وهي انما تحصل بالزنا وهي المراد بقوله : إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ وثانيها :
الجنايات على العقول وهي شرب الخمر وإليها الإشارة بقوله : الْإِثْمَ وثالثها : الجنايات على الاعراض.
ورابعها : الجنايات على النفوس وعلى الأموال وإليهما الإشارة بقوله : وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وخامسها :
الجنايات على الأديان وهي من وجهين : أحدها : الطعن في توحيد اللّه تعالى واليه الإشارة بقوله : وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وثانيها : القول في دين اللّه من غير معرفة واليه الإشارة بقوله : وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ فلما كانت اصول الجنايات هي هذه الأشياء وكانت البواقي كالفروع والتوابع لا جرم جعل تعالى ذكرها جاريا مجرى ذكر الكل فأدخل فيها كلمة «انما» المفيدة للحصر.
السؤال الثاني : الفاحشة والإثم هو الذي نهى اللّه عنه فصار تقدير الآية : انما حرم ربي المحرمات وهو كلام خال عن الفائدة والجواب كون الفعل فاحشة هو عبارة عن اشتماله في ذاته على امور باعتبارها يجب


الصفحة التالية
Icon