مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٣٩
المشكوك فلهذا السبب حملنا الضعف في تلك المسألة على المثلين.
اما قوله تعالى : قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ فيه مسألتان :
المسألة الاولى : قرا ابو بكر عن عاصم يعلمون بالياء على الكناية عن الغائب والمعنى : ولكن لا يعلم كل فريق مقدار عذاب الفريق الآخر فيحمل الكلام على كل لأنه وان كان للمخاطبين فهو اسم ظاهر موضوع للغيبة فحمل على اللفظ دون المعنى واما الباقون فقرؤوا بالتاء على الخطاب والمعنى : ولكن لا تعلمون ايها المخاطبون ما لكل فريق منكم من العذاب ويجوز ولكن لا تعلمون يا اهل الدنيا ما مقدار ذلك.
المسألة الثانية : لقائل ان يقول : ان كان المراد من قوله : لِكُلٍّ ضِعْفٌ اي حصل لكل احد من العذاب ضعف ما يستحقه فذلك غير جائز لأنه ظلم وان لم يكن المراد ذلك فما معنى كونه ضعفا؟
والجواب : ان عذاب الكفار يزيد فكل الم يحصل فانه يعقبه حصول الم آخر إلى غير نهاية فكانت تلك الآلام متضاعفة متزايدة لا إلى آخر، ثم بين تعالى ان أخراهم كما خاطبت أولاهم فكذلك تجيب أولاهم أخراهم فقال : وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ اي في ترك الكفر والضلال وانا متشاركون في استحقاق العذاب.
ولقائل ان يقول : هذا منهم كذب لأنهم لكونهم رؤساء وسادة وقادة قد دعوا إلى الكفر وبالغوا في الترغيب فيه فكانوا ضالين ومضلين واما الاتباع والسفلة فهم وان كانوا ضالين الا انهم ما كانوا مضلين فبطل قولهم انه لا فضل للاتباع على الرؤساء في ترك الضلال والكفر.
وجوابه : ان أقصى ما في الباب ان الكفار كذبوا في هذا القول يوم القيامة وعندنا ان ذلك جائز وقد قررناه في سورة الانعام في قوله : ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ [الانعام : ٢٣].
اما قوله : فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ فهذا يحتمل ان يكون من كلام القادة وان يكون من قول اللّه تعالى لهم جميعا.
واعلم ان المقصود من هذا الكلام التخويف والزجر لأنه تعالى لما اخبر عن الرؤساء والاتباع ان بعضهم يتبرأ عن بعض ويلعن بعضهم بعضا كان ذلك سببا لوقوع الخوف الشديد في القلب.
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٠ إلى ٤١]
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١)
[قوله تعالى إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها] اعلم ان المقصود منه إتمام الكلام في وعيد الكفار وذلك لأنه تعالى قال في الآية المتقدمة وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ [الأعراف : ٣٦] ثم شرح تعالى في هذه الآية كيفية ذلك الخلود في حق أولئك المكذبين المستكبرين بقوله : كَذَّبُوا بِآياتِنا اي بالدلائل الدالة على المسائل التي هي اصول الدين فالدهرية ينكرون دلائل اثبات الذات والصفات والمشركون ينكرون دلائل التوحيد ومنكرو النبوات يكذبون الدلائل الدالة على صحة النبوات / ومنكرو نبوة محمد ينكرون الدلائل


الصفحة التالية
Icon