مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٧٦
وَالْأَمْرُ
معناه : له الخلق والإيجاد في المرتبة الاولى، ثم بعد الإيجاد والتكوين فله الأمر والتكليف في المرتبة الثانية، الا ترى انه لو قال له الخلق وله التكليف وله الثواب والعقاب، كان ذلك حسنا مفيدا مع ان الثواب والعقاب داخلان تحت الخلق فكذا هاهنا. وقال آخرون : معنى قوله : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ هو انه ان شاء خلق وان شاء لم يخلق فكذا قوله : وَالْأَمْرُ يجب ان يكون معناه : انه ان شاء امر وان شاء لم يأمر، وإذا كان حصول الأمر متعلقا بمشيئته لزم ان يكون ذلك الأمر مخلوقا كما انه لما كان حصول المخلوق متعلقا بمشيئته كان مخلوقا، اما لو كان امر اللّه قديما لم يكن / ذلك الأمر بحسب مشيئته، بل كان من لوازم ذاته فحينئذ لا يصدق عليه انه ان شاء امر وان شاء لم يأمر، وذلك ينفي ظاهر الآية.
والجواب : انه لو كان الأمر داخلا تحت الخلق كان افراد الأمر بالذكر تكريرا محضا، والأصل عدمه.
أقصى ما في الباب انا تحملنا ذلك في صور لأجل الضرورة، الا ان الأصل عدم التكرير. واللّه اعلم.
المسألة الثالثة : هذه الآية تدل على انه ليس لاحد ان يلزم غيره شيئا الا اللّه سبحانه.
وإذا ثبت هذا فنقول : فعل الطاعة لا يوجب الثواب، وفعل المعصية لا يوجب العقاب، وإيصال الألم لا يوجب العوض وبالجملة فلا يجب على اللّه لاحد من العبيد شيء البتة، إذ لو كان فعل الطاعة يوجب الثواب لتوجه على اللّه من العبد مطالبة ملزمة والزام جازم وذلك ينافي قوله : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ.
المسألة الرابعة : دلت هذه الآية على ان القبيح لا يجوز ان يقبح لوجه عائد اليه، وان الحسن لا يجوز ان يحسن لوجه عائد اليه لان قوله : أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ يفيد انه تعالى له ان يأمر بما شاء كيف شاء، ولو كان القبيح يقبح لوجه عائد اليه لما صح من اللّه ان يأمر الا بما حصل منه ذلك الوجه، ولا ان ينهى الا عما فيه وجه القبح فلم يكن متمكنا من الأمر والنهي كما شاء وأراد مع ان الآية تقتضي هذا المعنى.
المسألة الخامسة : دلت هذه الآية على انه سبحانه قادر على خلق عوالم سوى هذا العالم كيف شاء وأراد وتقريره : انه قال : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ... وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ والخلق إذا اطلق أريد به الجسم المقدر او ما يظهر تقديره في الجسم المقدر. ثم بين في آية اخرى انه اوحى في كل سماء أمرها وبين في هذه الآية انه تعالى خصص كل واحد من الشمس والقمر والنجوم بامره، وذلك يدل على ان ما حدث بتأثير قدرة اللّه تعالى فتميز الأمر والخلق، ثم قال بعد هذا التفصيل والبيان أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ يعني له القدرة على الخلق وعلى الأمر على الإطلاق، فوجب ان يكون قادرا على إيجاد هذه الأشياء وعلى تكوينها كيف شاء وأراد، فلو أراد خلق ألف عالم بما فيه من العرش والكرسي والشمس والقمر والنجوم في اقل من لحظة ولمحة لقدر عليه لان هذه الماهيات ممكنة والحق قادر على كل الممكنات ولهذا قال المعري في قصيدة طويلة له :
يا أيها الناس كم للّه من فلك تجري النجوم به والشمس والقمر
ثم قال في أثناء هذه القصيدة :
هنا على اللّه ماضينا وغابرنا فما لنا في نواحي غيره خطر
المسألة السادسة : قال قوم : الْخَلْقُ صفة من صفات اللّه وهو غير المخلوق واحتجوا عليه بالآية


الصفحة التالية
Icon