مفاتيح الغيب، ج ١٤، ص : ٢٩٤
المسألة الاولى : قال صاحب «الكشاف» : قوله : لَقَدْ أَرْسَلْنا جواب قسم محذوف.
فان قالوا : ما السبب في انهم لا يكادون ينطقون بهذه اللام الا مع قد وذكر هذه اللام بدون قد نادر كقوله :
حلفت لها باللّه حلفة فاجر لناموا...
قلنا : انما كان كذلك لان الجملة القسمية لا تساق الا تأكيدا للجملة المقسم عليها التي هي جوابها فكانت مظنة لمعنى التوقع الذي هو معنى «قد» عند استماع المخاطب كلمة القسم.
المسألة الثانية : قرا الكسائي غيره بكسر الراء على انه نعت للاله على اللفظ والباقون بالرفع على انه صفة للاله على الموضع لان تقدير الكلام ما لكم اله غيره وقال ابو علي : وجه من قرا بالرفع قوله : وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران : ٦٢] فكما ان قوله : إِلَّا اللَّهُ بدل من قوله : ما مِنْ إِلهٍ كذلك قوله : غَيْرُهُ يكون بدلا من قوله : مِنْ إِلهٍ فيكون (غير) رفعا بالاستثناء وقال صاحب الكشاف : قرئ (غير) الحركات الثلاث وذكر وجه الرفع والجر كما تقدم قال واما النصب فعلى الاستثناء بمعنى ما لكم من اله الا إياه كقولك ما في الدار من احد الا زيدا وغير زيد.
المسألة الثالثة : قال الواحدي : في الكلام حذف وهو خبر (ما) لأنك إذا جعلت غَيْرُهُ صفة لقوله :
إِلهٍ لم يبق لهذا المنفي خبر والكلام لا يستقل بالصفة والموصوف لأنك إذا قلت زيد العاقل وسكت لم يفد ما لم تذكر خبره ويكون التقدير ما لكم من اله غيره في الوجود أقول : اتفق النحويون على ان قولنا لا إله الا اللّه لا بد فيه من إضمار والتقدير : لا اله في الوجود او لا اله لنا الا اللّه ولم يذكروا على هذا الكلام حجة فانا نقول لم لا يجوز ان يقال دخل حرف النفي على هذه الحقيقة؟ وعلى هذه الماهية فيكون المعنى انه لا تحقق لحقيقة الإلهية الا في حق اللّه وإذا حملنا الكلام على هذا المعنى استغنينا عن الإضمار الذي ذكروه.
فان قالوا : صرف النفي إلى الماهية لا يمكن لان الحقائق لا يمكن نفيها، فلا يمكن ان يقال / لاسواد بمعنى ارتفاع هذه الماهية وانما الممكن ان يقال ان تلك الحقائق غير موجودة ولا حاصلة وحينئذ يجب إضمار الخبر.
فنقول : هذه الكلام بناء على ان الماهية لا يمكن انتفاؤها وارتفاعها وذلك باطل قطعا إذ لو كان الأمر كذلك لوجب امتناع ارتفاع الوجود لان الوجود ايضا حقيقة من الحقائق وماهية فلم لا يمكن ارتفاع سائر الماهيات؟
فان قالوا : إذا قلنا لا رجل وعنينا به نفى كونه موجودا فهذا النفي لم ينصرف إلى ماهية الوجود وانما انصرف إلى كون ماهية الرجل موصوفة بالوجود.
فنقول : تلك الموصوفية يستحيل ان تكون امرا زائدا على الماهية وعلى الوجود إذ لو كانت الموصوفية ماهية والوجود ماهية اخرى لكانت تلك الماهية موصوفة ايضا بالوجود والكلام فيه كما فيما قبله فيلزم التسلسل ويلزم ان لا يكون الموجود الواحد موجودا واحدا بل موجودات غير متناهية وهو محال. ثم نقول موصوفية الماهية بالوجود اما ان يكون امرا مغايرا للماهية والوجود واما ان لا يكون كذلك فان لم يكن امرا


الصفحة التالية
Icon