مفاتيح الغيب، ج ١٥، ص : ٥٢٧
بمعنى مع، أي برىء مع رسوله منهم، وقرئ بالجر على الجوار وقيل على القسم والتقدير أن اللَّه بريء من المشركين وحق رسوله.
ثم قال تعالى : فَإِنْ تُبْتُمْ أي عن الشرك فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وذلك ترغيب من اللَّه في التوبة والإقلاع عن الشرك الموجب لكون اللَّه ورسوله موصوفين بالبراءة منه وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ أي أعرضتم عن التوبة عن الشرك فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وذلك وعيد عظيم، لأن هذا الكلام يدل على كونه تعالى قادراً على إنزال أشد العذاب بهم.
ثم قال : وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ في الآخرة لكي لا يظن أن عذاب الدنيا لما فات وزال، فقد تخلص عن العذاب، بل العذاب الشديد معد له يوم القيامة ولفظ البشارة ورد هاهنا على سبيل استهزاء كما يقال :
تحيتهم الضرب وإكرامهم الشتم.
[سورة التوبة (٩) : آية ٤]
إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤)
هذا الاستثناء إلى أي شيء عاد؟ فيه وجهان : الأول : قال الزجاج : إنه عائد إلى قوله : بَراءَةٌ والتقدير بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلى المشركين المعاهدين إلا من الذين لم ينقضوا العهد. والثاني : قال صاحب «الكشاف»، وجهه أن يكون مستثنى من قوله : فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ لأن الكلام خطاب للمسلمين، والتقدير :
براءة من اللَّه ورسوله إلى الذين عاهدتم منهم ثم لم ينقصوكم فأتموا إليهم عهدهم.
واعلم أنه تعالى وصفهم بأمرين : أحدهما : قوله : ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ والثاني : قوله : وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً والأقرب أن يكون المراد من الأول أن يقدموا على المحاربة بأنفسهم، ومن الثاني :/ أن يهيجوا أقواماً آخرين وينصروهم ويرغبوهم في الحرب. ثم قال : فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ والمعنى أن الذين ما غادروا من هذين الوجهين، فأتموا إليهم عهدهم، ولا تجعلوا الوافين كالغادرين. وقوله : فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ أي أدوه إليهم تاماً كاملًا. قال ابن عباس : بقي لحي من كنانة من عهدهم تسعة أشهر فأتم إليهم عهدهم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ يعني أن قضية التقوى أن لا يسوى بين القبيلتين أو يكون المراد أن هذه الطائفة لما أنفوا النكث ونقض العهد، استحقوا من اللَّه أن يصان عهدهم أيضاً عن النقض والنكث. روى أنه عدت بنو بكر على بني خزاعة في حال غيبة رسول اللَّه وظاهرتهم قريش بالسلاح، حتى وفد عمرو بن سالم الخزاعي على رسول اللَّه فأنشده :
لا هم إني ناشد محمداً حلف أبينا وأبيك ألا تلدا
إن قريشاً أخلفوك الموعدا ونقضوا ذمامك المؤكدا
هم بيتونا بالحطيم هجدا وقتلونا ركعاً وسجدا
فقال عليه الصلاة والسلام :«لا نصرت إن لم أنصركم»
وقرئ لم ينقضوكم بالضاد المعجمة أي لم ينقضوا عهدكم.


الصفحة التالية
Icon